الإعلام الغربي ينحاز للمحتل يمارس التضليل والإرهاب الفكري/ عبد الله حرمة الله

خصصت يومية Horizons الجزائرية في عدد الثلاثاء 24 أكتوبر 2023 ملحقا عن انحراف الإعلام الغربي واصطفافه خلف ماكنة القتل والدمار الصهيونية، حيث أجرت حوارا مطولا مع الإعلامي والمحلل الموريتاني عبد الله حرمة الله، والعضو السابق في "مراسلون بلا حدود"، أكد خلاله أن “وسائل الإعلام الغربية تمارس الإرهاب الفكري".

 

وحول انحياز وسائل الإعلام الغربية في تناولها لما يحدث اليوم في غزة التي تتعرض لاعتداء همجي منذ أكثر من أسبوعين، يرى أن أفضل رد يتمثل في تمكن وسائل الإعلام العربية من إنتاج أخبار خاصة بها وأن تتحمل مسؤولية إتاحة الفرصة للفلسطينيين للحديث بحرية ونقل معاناتهم دون وسيط. خصوصا أن الإعلام الغربي تجاوز حدود الانحياز للمحتل؛ إلى التضليل وبوقاحة غير مسبوقة. مؤكدا أن انحراف الإعلام الغربي، وتجاوزات مؤسساته المبتذلة، يجد أصله في العقليات السائدة والمرتبطة أساسا بظروف نشأة آليات إنعاش الحياة السياسية ببلدانه والتي تعيش انتكاسة خطيرة لمحتوى وضمانات التعددية، منذ عقود.

 

واعتبر الإعلامي الموريتاني، عودة المصادرة في الغرب تنذر بهزات عنيفة ستقضي على سكينة المجتمعات وتعيد الشعوب لمساراتها الدموية السالفة.

 

وشدد ولد حرمة الله على أن القضية الفلسطينية مسألة كرامة و محل إجماع في العالم العربي على أهميتها وأولويتها. و لا وجود لأي انقسام بشأنها، خلافا للتضليل الإعلامي الذي يروج له الإعلام في الغرب.

 

ورأى المسؤول السابق في " مراسلون بلا حدود "، أنه من واجب الصحافة المستقلة والعمومية في البلدان العربية التكفل بنقل صوت الفلسطينيين، حيث يحتاج الأهالي في فلسطين أن يطمئنو على أننا جميعا والعالم من حولنا نتابع ما يعيشونه كل يوم ونسمع أصواتهم دون وسيط. 

 

كما ذكر بالخلفيات المشبوهة لوسائل الإعلام الغربية، على غرار المنظمات الحقوقية، وغالبية الأحزاب السياسية، واعتمادها كخلفية فكرية ومرجعية سياسية مؤتمر برلين للعام 1884 الوفي للفلسفة الغربية المهيمنة آنذاك المروجة لمغالطات سيادة الإنسان الأوروبي ومحاولة تطويع اعتبارات بيولوجية زائفة، حيث قررت أوروبا الاستعمارية تقاسم المستعمرات، مروجة لافتراء ميلاد " العالم الحر".

 

كشف كذلك الإعلامي والمحلل الموريتاني أن الإعلام الغربي يتعرى باستمرار ويظهر على حقيقته كلما تعلق الأمر بالعالم العربي وبالقارة الإفريقية، لذا، لا ينبغي أن نتوقع الكثير من إعلام الغرب، خاصة ما يتعلق بالقضية الفلسطينية ومحوريتها بالنسبة للعرب والمسلمين والأفارقة وأحرار العالم. فنحن ندرك، وبوضوح جلي، في كل مرة أنهم ليسوا محايدين وأنهم يتملصون من ضوابط المهنية، ليتسنى لمحتويات إعلامهم التفوق سوءا وإساءة على مواقف حكومات بلدانهم. فكبريات وسائل الإعلام المؤثرة في الرأي العام الغربي، وخاصة في فرنسا، تعود لبداية الجمهورية الخامسة، حيث أوكلت لها مهمة الدفاع عن صورة "فرنسا الحرة"، وهي نفسها "فرنسا الاستعمارية"، التي تبنت بحماس منقطع النظير قرارات مؤتمر برلين، كذلك جرائمها الاستعمارية في إفريقيا والشرق الأوسط. لا شيء ينتظر من مؤسسات أطلقت خصيصا للإشادة بهذا النهج واعتباره مرجعية لديمقراطية تعتمد ازدواجية المعايير أسلوبا وغاية. ففي روندا مثلا، مضى أكثر من عقد كامل قبل اكتشاف جرائم الإبادة التي تكتم عليها الإعلام الفرنسي متحدثا بوقاحة عن حرب أهلية بين متوحشين من سكان الغابة الإفريقية. تحتكر " فرانس برس " وتوجه ، منذ الأزل الأخبار ، بالإضافة إلى المؤسسات السمعية البصرية التي تتحكم في الخط التحريري لوسائل الإعلام في المستعمرات السابقة وبقية مناطق العالم. يتم كذلك استخدام الإعلام العمومي الفرنسي لخدمة التوجهات السياسية لفرنسا، عن طريق "فرانس موند"، بوصاية مباشرة ومعلنة من الإيليزي وجهات أمنية متخصصة.

 

وعن التواطؤ الإجرامي كشف الإعلامي الموريتاني عن وجود عدد من القنوات التلفزيونية الإسرائيلية المرخصة في فرنسا، والتي لجأت منذ السابع أكتوبر الجاري، إلى بث مستمر لخطاب الكراهية مع دعوات صريحة ومتكررة لقتل الفلسطينيين، في تجاهل تام من سلطة الضبط. و يواصل قادة الجيش والساسة في إسرائيل التبني علنا في الإعلام الغربي "شرعية" قتل نساء وأطفال فلسطين لضمان " اطمئنان اليهود"، بمباركة من نخب الشمال التي تعتبر إبادة سكان غزة حقا مشروعا لإسرائيل. أعتقد أن الانزلاق الإعلامي، مجرد واجهة لواقع الانحطاط الذي يتخبط فيه الغرب، وأن منظومته مهترئة وتحتضر عبر تعبير علني يتنافى وقيم، المساواة والأخوة والعدالة. فحيز حرية التعبير في فرنسا ليس أكبر من المتاح في بلدان الجنوب.

 

واعتبر أنه بالنسبة للعالم العربي وإفريقيا، آن الأوان لتحمل مسؤولياتهم والتعبير عن طموحاتهم المشروعة بصفة ذاتية.

 

وخلص إلى أن الإعلام في الغرب لا يعكس حقيقة ما يحدث في مجتمعاته، وأنه تحول لآلة حرب بالوكالة عن لوبيات نفعية عدوانية تسيطر على الثروة و الإعلام والمؤسسات السياسية والثقافية وتسخرها لتنفيذ مخططات لا علاقة لها بمصالح ولا انشغالات الشعوب الغربية المغيبة عن دوائر القرار ومشهد الإعلام والسياسة.

 

واعتبر ولد حرمة الله نهج التكميم نوع من ارتهان الرأي العام لتمرير انحراف ديمقراطيات شاخت وفقدت الإحساس بالتوازن، واستحالت إلى جمهوريات موز تمنع الناس حق التظاهر للتعبير عن التضامن مع شعب تحت الاحتلال، مؤكدا أنه الإرهاب بذاته وفي أبشع صوره.