د.الخليل النحوي يكتب: على أبواب الاقتراع وقبل أن يدرك شهرزاد الصباح

بعد أقل من 48 ساعة سيتوجه الموريتانيون، ومنهم بعض المقيمين في الخارج، إلى صناديق الاقتراع لاختيار منتخبيهم من النواب والمستشارين الجهويين والبلديين. وكنت قد دعوت في مستهل الحملة الانتخابية إلى أمرين أرى التذكير بهما مهما بين يدي يوم الجمعة (يوم الصمت والذكر) ويوم السبت المشهود.
دعوت إلى أن نجعلها حملة نظيفة وألا نبخس الناس فيها أشياءهم. ودعوت إلى تحكيم الضمائر انطلاقا من أن التصويت شهادة، وأن كل ناخب مسؤول عن شهادته.
وإني إذ أحمد اللـه على أن الإعداد للحملة جرى في جو عام من الوفاق السياسي، وأن الحملة جرت عموما ولحد الآن في أجواء سلمية، فإنني لا أستطيع إلا أن أسجل أسفي لأن بعض المنافسين المحترمين سلكوا في تبخيس إخوتهم وإقصائهم ومحاولة شيطنتهم سبيلا كانوا في غني عنه، لأسباب جمة، من أهمها:
1. أن إخوتنا الذين يجاهرون بالتحذير من التصويت لإخوتهم وشركائهم ليسوا ضرورة في وضع المضطر الذي يباح له من المحظورات ما لا يباح لغير المضطر؛ فلديهم من العير ومن النفير معا ما ليس لدى إخوتهم. ولا شيء يحوجهم بحمد اللـه إلى منازعة صاحب الصاع أو المد صاعه أو مده. {ومن كان غنيا فليستعفف}؛
2. أنهم بحكم وضعهم المميز أعظم السياسيين مسؤولية عن صيانة المسار الديمقراطي، والارتقاء بالخطاب الانتخابي. ولا شك أن تبخيس الإخوة والشركاء والعودة إلى ممارسات الحزب الواحد، أو "الحزب – الدولة" في زمن غير زمنه أمور تضر بهذا المسار ضررا بينا. حتى الحزب الشيوعي الصيني على عراقته وسطوته السياسية في بلده لم يشأ أن يتفرد أو يدعي التفرد بدعم الرئيس الصيني. لقد أقام نظام تعاون وتضامن وتشاور وشراكة مع 8 أحزاب أخرى، فما الذي يحمل بعضنا نحن هنا على الاجتهاد في إقصاء إخوته والتحذير من التصويت لهم؟
3. أنهم باستخدام أساليب الوعد والوعيد والتلويح بالجزرة والعصا تنكبوا طريق شرف المنافسة، وجعلوا الأصوات سلعة طامع أو خائف، والحال أن شرف السباق يقوم على الإقناع لا على التخويف والإطماع. والمشكل هنا أن الصورة الذهنية التي أراد بعض إخوتنا أن يرسموها، بقصد أو بغير قصد، لشعبنا الأبي هي صورة شعب تحكمه في اختياراته الكبرى غريزة الخوف والطمع، وكأن ليس فينا من يحركهم العقل والوعي والضمير، ويحدوهم حادي المصلحة العامة. إنها تلك الصورة التي قال بشأنها النبي عليه الصلاة والسلام: "‌تَعِسَ ‌عَبْدُ الدِّينَارِ، وَعَبْدُ الدِّرْهَمِ، وَعَبْدُ الْقَطِيفَةِ، وَعَبْدُ الْخَمِيصَةِ". ولا يليق بنا أن نقدم شعبنا على هذا النحو. ولا أن نشوش قواعد السباق، فنرسل رسائل مقتضاها أنه لا يستحق المناصب الانتخابية أو بعضها إلا من كان ذا مال أو سلطان يستطيع بهماأن يكافئ ويعاقب.
4. أن أقوالهم ناقضت بشكل صريح أقوال رئيس الجمهورية في أكثر من مناسبة ومنها خطابه الموجه للأحزاب السياسية بمناسبة انطلاق الحملة الانتخابية، ومنه أقتبس: "إن ما طبع ساحتنا السياسية طيلة الأعوام الثلاثة الماضية من الهدوء، والاختلاف في ظل الاحترام، والتباين في المواقف دون تشنج، كان مني تعهدا ، والتزاما قطعته على نفسي ، وبذلت جهودا كبيرة في تحقيقه أولا وللمحافظة عليه ثانيا (...) لكنه، ما كان ليتم لولا استعدادكم وتجاوبكم جميعا ، ومساهمتكم الفعالة في ترميم ما أفسدته الأجواء المتوترة والمشحونة التي سادت ساحتنا السياسية خلال مراحل سابقة. وإنني أود هنا، اغتناما للفرصة، أن أنبه إلى أن هذا الهدوء، وهذه العلاقات الطبيعية بين مختلف مكونات ساحتنا السياسية، تشكل في حد ذاتها، مكسبا يلزمنا جميعا صونه والحفاظ عليه : فلنختلف باحترام ، ولنعبر عن تباين آرائنا برقي، ولنتنافس بقوة ، لكن في إطار من المسؤولية الأخلاقية والالتزام الأدبي". هذا كلام رئيس الجمهورية وهو حجة على أي شخص آخر يرى أنه يتحدث باسمه، ولو مع افتراض حسن النية للجميع.
5. أنهم جنوا من حيث يدرون أو لا يدرون – وربما بحسن نية - جناية كبيرة على رئيس الجمهورية، بمحاولة تجريده من أغلبيته وحصر رهانه في السباق على فرس وحيد، وبمخالفة نهجه الذي انتخبه الشعب على أساسه. لقد انتخب الرئيس محمد بن الشيخ الغزواني على خلفية تعهدات من أهمها تعهده بالتهدئة السياسية، وقد فعل، فاستقبل عتاة المعارضين وأحسن الإصغاء إليهم ومنح الناس فرصة لتنفس الصعداء ليتذكروا أنهم شركاء لا فرقاء ولا خصماء. وكان من الغريب حقا أن يأتي إخوة لنا لا ننكر لهم أو لبعضهم صدق ولائهم ليسيروا في الاتجاه المعاكس تماما، اتجاه تشتيت الأغلبية والتبخيس من شأنها ومحاولة تصوير الحلفاء خصوما، والحال أنه كان من واجبهم أن يؤدوا دورا أفضل في تقريب المعارضين واستيعابهم وجمع الموريتانيين على كلمة سواء من الإصلاح والتغيير الهادف.. لقد حاول رئيس الجمهورية أن يرقع الخرق المتسع بين أطياف سياسية كانت متناكفة ومتشاكسة، ويحاول آخرون بذريعة دعم رئيس الجمهورية – ويا للمفارقة - أن يحدثوا خرقا ويوسعوه يوما بعد يوم بين الأغلبية الداعمة لرئيس الجمهورية. ترى ما وجه المصلحة في أن يحاول بعضنا أن يجعل رئيس الجمهورية ملكية فردية له؟ ما وجه المصلحة في أن يجعل بعضنا رئيس الجمهورية ربيبا لحزب مخصوص مهما كبر وعظم شأنه، لا رئيسا لكل الموريتانيين، ومنهم داعموه الذين انتخبوه وآزروه وسبحوا في ذلك ضد تيار اللـه أعلم – وبعض الناس يعلمون - أين كان؟ هل يتذكر إخوتنا أن رئيس الجمهورية انتخب ببعض أصواتهم ولكن أيضا بأصوات كشكول واسع آخر من إخوتهم الموريتانيين الذين لم يكن يجمعهم بهم إطار حزبي مخصوص؟ ما مصلحة الأخ الأكبر في أن يقول لبقية إخوته: لستم إخوتي، ولسنا أهل بيت واحد... لا مقام لكم فارجعوا؟ وعلى فرض أنها مجرد براغماتية ذرائعية لا ترى حرجا في تنكب سبيل المنافسة الشريفة، هل هناك من سبيل لبناء سياسي مستدام إذا كان هذا البناء يقوم جهارا نهارا على شفا جرف هار من الترغيب والترهيب، لا على امتلاك القلوب وكسب الضمائر بالود والإقناع؟
هل هي مؤامرة مبيتة محكمة استدرج فيها بعض الطيبين من ذوي النيات الحسنة، هدفها الاستفراد برئيس الجمهورية والفصل بينه وبين جمهور عريض من داعميه؟؟؟! وما الهدف من وراء ذلك يا ترى؟  
أما أنا، ومن موقع المرشح، فأتمسك بما طالبت به بقية إخوتي وأخواتي، وأومن بأن بين المرشحين حتى من أولئك الذين لا يرون – بادي الرأي – مكانا لغيرهم ولا يريدون أن يفسحوا في المجلس لإخوتهم... أومن بأن بينهم أولي كفاءة وأمانة، لكنهم موجودون أيضا في أكثر من موقع آخر على الخريطة السياسية. وإلى هؤلاء ينبغي أن يتجه الناخب أيضا، وعلى أمثال هؤلاء يمكن أن يعول رئيس جمهورية ينشد الإصلاح والتهدئة السياسية ويريد أعوانا على مشروعه. ولدي شخصيا اقتناع تام، أرجو أن تؤكده الأيام، بأن رئيس الجمهورية لن يعاقب أحدا لأنه حكم ضميره فصوت لهذا المرشح أو ذاك... أحرى إذا كان نصيرا له داعما ... وأنه لن يحابي أحدا لمجرد أنه انحاز إلى هذا الحزب أو ذاك.
لذلك أعود لأقولها مرة أخرى، كما قلتها في بداية الحملة: توكلوا على اللـه وحكموا ضمائركم، واعلموا أن اللـه هو الرزاق ذو القوة المتين.
***
جاء في الحديث الشريف أن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قام لِلصَّلَاةِ، فَقَالَ أَعْرَابِيٌّ فِي الصَّلَاةِ: ‌اللَّهُمَّ ‌ارْحَمْنِي، ‌وَارْحَمْ ‌مُحَمَّدًا، وَلَا تَرْحَمْ مَعَنَا أَحَدًا؛ فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ لِلْأَعْرَابِيِّ: «لَقَدْ تَحَجَّرْتَ وَاسِعًا»!
نعم، لا تحجروا إخوتي واسعا، وحكموا ضمائركم، وامنحوا أصواتكم لمن تأنسون فيهم القوة في الحق والأمانة في الداء، والصدق في القول والإخلاص في العمل.
والله يوفق شعبنا لاختيار الأمثل.