حين كنت مترجما للغة الإشارة/ أحمدو الحسن

حين كنت مترجما للغة الإشارة

في العام 2011، قررت التلفزة الموريتانية، (الموريتانية لاحقا)، اعتماد لغة الإشارة، في نشرتها اليتيمة حينها (الثامنة مساء)، بالتعاون مع المنتدى الموريتاني للصم.

كنت إلى جانب مترجمتين، قد تلقيانا تكوينات مختلفة، في مهارات ترجمة الأخبار بلغة الإشارة، التركيز حينها كان منصبا على إيصال الأخبار المحلية للصم الموريتانيين، لأن معظم الأخبار التي يتلقونها قادمة من قنوات خارجية، تنقل الأخبار الدولية بلغة الإشارة، وما تتضمنه تلك الأخبار عن موريتانيا قليل جدا.

هل جربت يوما أن تكون في نظر المحيطين بك مهرجا؟ أنا جربت ذلك.. في يوم من أيام شهر إبريل، اتصل بنا التلفزيون في إطار الإعداد لنشرة لغة الإشارة، التقينا ببعض المعنيين بالأمر، واتفقنا على مجموعة من النقاط، طبعا لم تلتزم التلفزة لاحقا بأي من تلك النقاط، ويبدو أنها سُنة باقية.

كنا نحضر للتفزة بشكل يومي، من أجل التعود على طبيعة الأخبار، والاتفاق على بعض المصطلحات الإشارية، ويقرأ بعضنا للآخر النشرة السابقة، وحين تبدأ نشرة الثامنة كنا نتعاقب على ترجمتها دون بث في انتظار الموعد المحدد.

المكان الذي نتدرب فيه، أصبح ملجأ معظم عمال التلفزة الباحثين عن التسلية، والمتهكمين، والمتندرين… سار خبر لغة الإشارة ومترجميها بين أروقة القناة، وفي كل يوم نلاحظ وجوها جديدة، غير التي ألفناها خلال الأيام السابقة.

أصبحنا نقدم فرجة يومية، لأشخاص من مشارب شتى، أحدهم قادم لتوه من إعداد تقرير عن تدشين وزير ما لحنفية في حي من أحياء العاصمة، وآخر ينتظر تكليفا لإعداد تقرير عن زحمة السير ومسؤولية المواطن، وخلق كثير ممن يبحث عن فرصة في المؤسسة، وفي الغالب لن يحصل عليها، لأن الشخص الذي أوصله إلى هنا فعل ذلك اعتمادا على علاقات عابرة مع شخص آخر..  لكأننا كائنات غريبة، قادمة من كوكب مختلف، حركاتها مجرد عرض للتسلية.

علامات الاستغراب، نلحظها بادية على وجه من يشاهد حركات مترجم لغة الإشارة، بعضهم يدخل في حالة من الضحك الهستيري، حينما تلتقط عيناه حركة منفصلة يمكن تأويلها، لبعض المعاني "الخارجة".

آخرون يتعاملون معنا على أننا أشخاص صمٌ بالفعل، ما دمنا "نتكلم" بلغة الإشارة، لذلك لا يجد غضاضة، في إرسال بعض التعليقات، الجارحة أحيانا والمتندرة أحيانا أخرى، وحين يسمعنا نتحدث فيما بيننا، يصاب بالصدمة ويقول: "هاذو إخزو بينا، معدلين روصهم بكم وهوم يتكلمو"، وكأنه اكتشف عملية تحايل كبيرة.
"سبحاااان الله.. هوم خلاكة ذكيفهم ولل لبْكم طاريلهم؟.. ذ ماعندو دواء؟"، تتساءل إحدى السيدات الجالسات في ركن قصى من أركان استديو الأخبار، لتفتح بذلك حديثا متشعبا كان فيه "الجف"، وشيء من "أخروجو"، حين سمعتنا النسوة، نتحدث، ساد الصمت بينهن، قبل أن تكسره إحداهن قائلة: " أيووو ملانا بعد ما يبقل عليه، ولبكم مايفايل"…