المحظرة كتراث إنساني..من صاحب الفكرة؟/ محمد المنى

تابعتُ السجالات التي دارت خلال اليومين الماضيين، حول تسجيل المحظرة كتراث إنساني، وما اكتنف ذلك من محاولات البعض نسبةَ فكرةِ تسجيل المحظرة في التراث الإنساني أو محاولة تجسيدها. وتعجبتُ كيف أن أحداً منهم لم يذكر صاحب الفكرة الأصلي الذي كان أوَّل مَن طرحها وطالب بها، خاصة أن الأفكار الإبداعية تسبق التنفيذ والإجراءات العملية لتجسيدها.

فقد دعا الباحثُ والمؤلف الأستاذ محمد ولد محمد علي الدولةَ الموريتانيةَ إلى ضرورة التحرُّك الرسمي من أجل إدراج المحظرة في قائمة التراث الثقافي الإنساني لدى «اليونسكو»، وذلك في محاضرة له ضمن نشاط ثقافي موريتاني في «أكسبو 2020 دبي»، بتاريخ 27 نوفمبر 2021. واستعرض في هذه المحاضرة -بإيجاز- تاريخَ تطور النظام التعليمي التقليدي الموريتاني وخصائصَه البنيوية والتربوية ووظائفَه الاجتماعية، وقال فيها ما نصه: «ولهذا، فإني من هذا المنبر العالمي (أكسبو دبي)، وبمناسبة عيد استقلالنا الوطني، أدعو الدولة الموريتانية إلى إطلاق حملة دبلوماسية عالمية (سياسية وثقافية وشعبية) لإدراج المحظرة الموريتانية ضمن قائمة اليونسكو للتراث العالمي، بدعم أشقائنا العرب والأفارقة، ولاسيما دولة الإمارات الشقيقة». وكان ذلك بحضور الوزير السيد المختار ولد داهي، وأمام جمهور كبير من الأساتذة والأكاديميين والإعلاميين وطاقم السفارة الموريتانية في أبوظبي.

وقد رحّب السيد الوزير بالفكرةَ، وعرضها أمام وزراء الثقافة العرب في إكسبو بعد ذلك بنحو أسبوعين. وهذا شيء جدير بالتقدير، لأن تجسيد هذا النوع من الأفكار في أرض الواقع مهم لبلدنا ومجتمعنا، وقد استجاب له الوزراء العرب.

لكن لا أحد من أصحاب هذه السجالات ذكر الأستاذ محمد علي صاحبَ الفكرة الذي دعا إليها في إكسبو، بل قبل ذلك بأكثر من عام كان ولد محمد علي نفسه قد أشار إلى هذه الفكرة ذاتها في مقال له نشرته صحيفة «الرؤية» الإماراتية، بعنوان «المحاضر الموريتانية.. تراث إنساني»، سأضعُ هنا رابطَه في أول تعليق، وقد قال في خاتمته حرفياً: «لذلك أُهيب بمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونيسكو) إدراج هذه المؤسسة الموريتانية العريقة ضمن التراث الإنساني المحمي، لما تتميز به من خصائص فذة وغايات فريدة مكَّنت السكانَ في هذه المنطقة من صيانة هويتهم والحفاظ على ثقافتهم ولغتهم العربية في ظروف اقتصادية صعبة، وأوضاع مناخية بالغة القسوة». 

وليس هذا فحسب، فقبل نحو ثلاثين عاماً كان ولد محمد علي أول مَن وصف موريتانيا بأنها «هِبة المحظرة»، وذلك في أطروحة له بعنوان «إدارة التعليم الأساسي في موريتانيا: الأجهزة والأهداف»، للحصول على دبلوم السلك العالي من المدرسة الوطنية للإدارة العمومية في الرباط.

لكن الأستاذ محمد ولد محمد علي ليس من مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي، وليس من المتشوِّفين إلى الشهرة والظهور أو الساعين إلى المنصب والتعيين، ولا نصيب له في حب البهرجة والادعاء والتزلف.. بل هو من هذه السجالات كحال المتنبي: «أنام ملءَ جفوني عن شوارها، ويسهر الخلق جراها ويختصم».