كرنفال الحوار-التشاور! / محمد المنى

لا أدري ما أهمية هذا الذي سَمَّوه الحوارَ مرةً والتشاورَ مرةً أخرى، وإن كان أحد طرفيه أُصيب في الأشهر الأخيرة بحساسية مفرطة من «مادة الحوار ومشتقاتها»، فصار يتطيّر منها وربما اعترته جراءها حالة نفسية وشكلت له كوابيس نوم أزعجته في فراشه فانتفض منه وهو يكرر كل ليلة: إنه تشاور إنه تشاور.. تشاور فقط تشاور فقط!
  كانت قناعتي منذ البداية أنه مجرد نشاط كرنفالي آخر لقتل الوقت وإشغال الجمهور وتوفير مادة للإعلام الاجتماعي المحلي يتداول فيها ويخوض يميناً وشمالا إلى حين.. لذا لا أتذكر أني علَّقت عليه ولو لمرة واحدة.
 ولعل مردّ قناعتي بعدم جدوائيته يعود لثلاثة أسباب: 
 أولها أن البلد لا يمر بأزمة سياسية حادة تستوجب تنظيم «طاولة وطنية مستديرة»، كما قال الجانب الرسمي نفسه، وهو محق في هذه، وإن سكت عن وجود أزمات تنموية وهيكلية وبنيوية مستحكمة ومستفحلة، لم تُطرح لها حلول حتى الآن، وكلها أزمات متولدة بالأساس عن أزمة الحكامة، وهذه أزمة سياسية بالدرجة الأولى. 
وثاني الأسباب هو أن الطرف الآخر، أي المعارضة، في وضعه الحالي منهَكٌ وخائر القوة، بعد عقد من مقارعة نظام ولد عبد العزيز، تعرضت خلاله هذه المعارضة لأنواع الحصار والحرمان والإقصاء والشيطنة والتجويع، سبقه عقدان في مواجهة نظام ولد الطايع الذي أمعن هو أيضاً في استخدام وسائل الدولة لترهيب وترغيب معارضيه. لذا فربما رأت هذه المعارضة أنها بحاجة إلى التقاط أنفاسها وأخذ «استراحة معارض» أو إجازة نقاهة وتدبر، خاصة بعد ما أبداه الرئيس الجديد من ليونة وانفتاح على خصوم سلفه. 
وثالث الأسباب أن هناك رئيس منتخب (وفق شروط ديمقراطيتنا الخاصة وظروفها المعروفة)، وقد أبدى ما أبدى من ترحيب وانفتاح على المعارضة، وبالتالي فقد رأت إعطاءَه الفرصةَ لإنجاز ما وعد بإنجازه، مع ضرورة الاستمرار في دور المراقبة والنقد. وبفضل هذا الموقف المتجاوب والمتفهِّم من جانب المعارضة السياسية، وما التزمت به ونفذته من تهدئة وتعاون تامين، علاوةً على الاستعداد الواضح من جانب الأغلبية الشعبية لمسايرة الرئيس والصبر على تطبيق برنامجه (وضمن هذه الأغلبية قطاع واسع من الـ48٪ الذين لم ينتخبوه) .. تكوَّن مناخٌ من التطبيع السياسي ربما لم نعرف له مثيلا من قبل. 
 لكن ما الذي خسرته المعارضة من تعليق الحوار؟ أحد المدونين المولعين بالنسج على منوال الوكالة الموريتانية للأنباء في افتتاحياتها خلال التسعينيات، كتب أن المعارضة وقعت في فخ سوء نيتها؟  
وسواء عرفنا تلك النية أم لم نعرفها، فلم يقل أحد إن المعارضة كانت موعودة بجوائز في نهاية «حفل الحوار»، لكن لسوء حظها جاء من داخلها من أفسد الحفل فضاعت الجوائز! 
 مهما يكن فالحوار من الناحية الموضوعية لم يكن مقنعاً، لا في إطلاقه بدءاً ولا في تعليقه انتهاءً. لم أجد له إيجابية واحدة، أما أبسط سلبياته فكونه يعرضنا لخطر إدمان كرنفالات الحوار وحفلات التشاور، فتغدو هي الأخرى تمريناً يومياً معتاداً مثلها مثل الأيام التفكيرية والأيام التحسيسية والملتقيات التكوينية.. التي باتت أساس العمل الحكومي وأربعة أخماس عمل الوزارات لدينا.. وكلها أنشطة كرنفالية معينة على قتل الوقت ومدرة للدخل ووسيلة لاستنفاد الميزانيات وصرف التمويلات!