بين الوعد والطموح والواقع.. دعوة جماعية لإصلاح المهنة/ الأستاذ عبد الله اگاه

 

زميلاتي، زملائي الأكارم،

نقف اليوم في لحظة مفصلية من تاريخ مهنتنا، لحظة تفرض علينا أن نزن الخطاب بميزان الوعي الجمعي، وأن نُميز بين المنجز الحقيقي والوعد المعلّق، 

لقد طُرح أمامنا إعلان ترشح، في توقيت يثير من الأسئلة أكثر مما يقدم من إجابات، رغم أن المأمورية ما زال منها ما يناهز السنة الكاملة. فهل يُعقل أن تُترك هذه المدة دون جهد يُذكر؟ وهل يُعلَن الترشح في هذا الوقت إلا لذر الرماد في العيون، أو امتصاص حالة الامتعاض التي تتنامى بين الزملاء، أو استباقًا لإعلانات متوقعة لمترشحين آخرين؟

إن ما قُدّم على أنه "منجزات" لا يتجاوز كونه مجرّد عناوين عامة: "مناخ تعاون"، "تنظيم ندوات"، "أجواء متميزة"… وهي أمور وإن حَسُنَ ذكرها، فإنها لا ترقى إلى مقام المكاسب ما لم تُقوَّم بمعيار المردودية العملية، وتُثمَّن بآثارها الفعلية لا برنينها الخطابي.

أما ما تم الإعلان عنه من مضاعفة مبالغ أو تخصيص قطع أرضية، فقد جاء في غياب تام للوضوح والشفافية، مما يدفعنا إلى طرح تساؤلات مشروعة، منها:

هل كانت هذه "الإنجازات" ثمرة تفاوض مؤسسي جاد وشفاف، أم مبادرات ارتجالية أملتها ظروف عابرة؟

ما الأسباب الحقيقية وراء تعثر استكمال هذه المشاريع؟

ولماذا لم يُصارَح الزملاء بالعوائق والموانع كما تقتضيه قواعد الشفافية والمسؤولية؟

إن ما يوصف بـ"المكسب" يصبح محل تشكيك حينما تغيب عنه المعلومة، ويعتريه الغموض، وتُحجب تفاصيله عن أصحاب الحق فيه.

وإذا ما نظرنا إلى البرنامج الانتخابي المطروح، فلا نجد فيه إلا إعادة تدوير لشعارات قديمة أُشبعت قولًا ولم تُرَ لها ترجمة فعلية على أرض الواقع: "مدونة أخلاقية"، "تفعيل الحصانة"، "فتح قنوات التعاون"... وكلها عناوين نبيلة، بيد أنها بقيت رهينة الخطاب، أسيرة الورق، لم تتجاوز عتبة التنظير إلى رحاب التطبيق.

 إن بعض هذه الوعود يفتقر إلى الحد الأدنى من الجدية، إذ يتجاوز صلاحيات النقيب أصلًا، كالدعوة إلى "تعديل النظام القضائي"، وهو أمر خارج إطار الهيئة واختصاصها، مما يكشف عن اتساع الفجوة بين الخطاب والواقع.

ولا يفوتنا أن نذكّر بوعد سابق تم التلويح به حول "رقمنة النصوص" و"تمويل العملية"، وهو وعد لم يتحقق، مثله مثل غيره من الالتزامات التي بقيت حبرًا على ورق، مما يُسائل مصداقية الخطاب وصدقية الالتزام.

والمثير أن إعلان الترشح الحالي، رغم ما نأمله من تطوير وتجديد، لا يكاد يختلف جوهريًا عن الإعلان السابق، في فحواه ولا في مضامينه، مما يُعزز القناعة بأن الإنجاز لا يزال محدودًا، وأن أفق الطموح لم يشهد ما يُذكر من مراجعة جادّة.

زميلاتي، زملائي،

إن واقع مهنتنا اليوم لا يحتمل مزيدًا من الدوران في حلقة الوعود المتكررة، فثمة تحديات كبرى، لا تُجابَه إلا بالعقل المؤسسي، والإرادة الجماعية، والتشخيص الصادق، ومن أهمها:

غياب الأمن الاجتماعي للمحامي، إذ يبقى مكشوفًا أمام المرض والشيخوخة وتقلبات الزمان دون حماية مؤسسية تكفل له الكرامة.

ضعف التأطير والدعم لحديثي العهد بالمهنة، مما يجعلها طاردةً للكفاءات الشابة.

القصور في احترام النصوص المؤطرة للعمل المهني، وما يترتب عليه من تفاوتات وتمييز.

الحرمان من مصادر تمويل مستقلة، تُحصّن القرار المهني من الضغوط، وتكفل ديمومة المشاريع.

تزايد المنافسة الإقليمية والدولية، التي تفرض علينا تطوير الأداء، ورفع الكفاءة، ومواكبة المعايير الحديثة.

احتكار الممارسة المهنية في العاصمة، مع حرمان الداخل من خدمات المحاماة.

غياب التكوين المهني المستمر، القائم على معايير موضوعية، ويشمل التخصصات المستجدة كافة.

زميلاتي، زملائي الأعزاء،

إننا اليوم وأكثر من أي وقت مضى نحتاج إلى صدق المواجهة، وجرأة التشخيص، ورصانة الطرح، وإرادة جماعية تُقدّم المهنة على ما سواها، وتغلب الصالح العام على كل الاعتبارات الشخصية.

علينا أن نُعِيد للمهنة هيبتها، ونصُون رسالتها، ونجعل من هيئتنا بيتًا يحفظ الكرامة، ويرعى الحقوق، ويليق بأهلها.

والله ولي التوفيق.