الجمهورية ولحظة التغيير المفصلية!/المختار محمد يحيى
لقد بات من الجلي لنا كمتابعين وناشطين سياسيين داعمين لمشروع الجمهورية أنه حان الوقت لطوي صفحة التدارس والنقاش السيزيفي للطريقة التي يجب أن تتخذ لعلاج عديد المشكلات التي عانت منها بلادنا منذ أكثر من ثلاثة عقود ونيف، وكان لها بالغ الأثر على سير التنمية وعرقلة الرقي على مختلف الصعد الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، والمتجسدة أساسا في عدم تحقق الحكامة والمؤسسية بالشكل الكافي للتقدم والنماء، ومن أبرز تجليات هذه اللحظة نشوء توجه جاد في تغيير المسلكيات الإدارية وتمحيص العمل الحكومي والخدمي ليكون ذو جدوى ومردودية أكبر يمكن أن يتحسسها المواطن في حياته اليومية، وأن تكون واقعا معاشا يميز المرحلة التي نعيشها اليوم وتمهد لما سنكون عليه في المستقبل.
لقد شكل انتخاب فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني لعهدة رئاسية جديدة الضمان لاستمرار طموح رئاسي صادق وحازم، هادف إلى التغيير معزز بطموح ذو سقف عال للوطن، وهو ما ينشده المواطنون الذين منحوه هذه الثقة، وبإسناده هذه الرؤية والمسؤولية الكبيرة للإطار الوطني الطموح السيد المختار ولد أجاي وتكليفه بقيادة حكومة كفاءات معززة بوزراء ذوي خبرة في مجالات اختصاهم، وبوزراء شباب محملين بأساليب حداثية ومعارف فنية هامة لا غنى عنها في مواكبة التطور والإشكالات المعاصرة، تكون البلاد في بداية جديدة لتحقيق حلم الجمهورية وبناء دولة استنادا على رؤية واضحة للتصحيح والتطوير لمختلف الاستراتيجيات التي كانت متبعة قصد الوصول إلى الأهداف بفعالية أكبر، مع تحقيق النتائج وفق الظروف المرسومة لها بدقة.
الإنصاف!
وربما يرى كثيرون أن أبرز المشاكل التي عانت منها بلادنا خلال فترات سابقة هي ثنائية الغبن والإقصاء، وهي ذاتها التي بادر فخامة رئيس الجمهورية لمحاربتها وجعل من مكافحتها لب وأساس سياساته التنموية خلال الخمسية الماضية وذلك من خلال تأسيس المندوبية العامة للتضامن الوطني ومكافحة الإقصاء "التآزر"، والتي وعد في برنامجه الانتخابي الرئاسي أن يوسع ويعمق عملها بحيث تقدم خدمات أكثر شمولية وعلى أوسع نطاق، إلى جانب ما وعد به من إعطاء جميع الفئات الهشة في المناطق النائية العناية المركزة في مجمل مشاريع الدولة لإنهاء معاناتهم مع نقص الخدمات والبعد من المركز.
لكن على الصعد الاجتماعية والسياسية والإدارية نرى أن هنالك إجراءات بإمكانها أن تلعب دورا حاسما وأولها يجب أن يكون مؤسسا على محاربة مسلكيات مقيتة تؤثر على ثقة المواطن في الدولة الأمر الذي يولد عدم الرضا لدى بعض فئات المجتمع، وذلك من خلال الضرب بيد من حديد على مناوئي فكرة ومشروع الإنصاف والإصلاح، من الداخل، ذالك الإنصاف الذي شكل السمة البارزة لرؤية فخامة رئيس الجمهورية متمثلا في خدمة الفئات الاجتماعية الهشة والمغبونة، والرغبة في أخلقة وتهدئة الحياة السياسية، وكان من تجلياته اختيار الإنصاف إسما لأكبر أحزاب الأغلبية الداعمة لرئيس الجمهورية، تأكيدا على تساوي الفرص أمام الجميع.
إن من بين أعداء الإنصاف المعروفة والمشخصة عالميا على أنها أمراض فتاكة على مستقبل المدن: الواسطة؛والمحسوبية؛ والرشوة؛ والزبونية؛... إلى آخر أخواتها، وكلها تقود لنتيجة واحدة هي الفساد وسوء التسيير، وقد أنتجت عبر فترات زمنية تراتبية اقتصادية غير طبيعية، وسعت الهوة بين الفقراء والأغنياء، هي أبرز الأمراض التي تؤثر بشكل مباشر على المواطن سلبا، وتفت من عضد المجتمع وتقوض تجانسه وتلاحمه، وتجعله هشا في وجه الفتن والنعرات بمختلف أصنافها.
الثقة.. النقمة !
ومن الملاحظ في الآونة الأخيرة تعالي أصوات نشاز تشير إلى وجود خلافات وتشكل أجنحة وصراعا وصداعا، وغيره مما أثير، وليس من الغريب أن تؤثر الثقة التي منحها فخامة رئيس الجمهورية للأطر الأكفاء ذوي الخبرة والتجربة في أعداء فكرة الإنصاف والطموح الساعي للإصلاح، وهو ما يجعلهم معنيين بمحاولة إفشال مهمتهم والعمل على إضعاف معنويات الحكومة وتشتيت انتباهها، عما تم إسناده لها من مسؤوليات جسام، أولها محاربة الفساد وسوء التسيير، انطلاقا من وضع برامج للمتابعة والتقييم المؤسس على النتائج، ومحاسبة المقصرين.
إنه ليبدو دون كثير عناء أن هؤلاء المتضررين من انسجام وانسياب العمل الحكومي، وسلاسة الاتصال والتعاون بين القطاعات، في حالة ضيق لا يدخرون جهدا لتحويل الثقة الممنوحة في الوزير أو الإطار إلى نقمة عليه، من خلال التلفيق الذي تنشره جيوش الذباب الإلكتروني مستغلين في ذلك التسجيلات، ومقاطع الفيديو المعدلة بالذكاء الاصطناعي المجاني، وغيرها من الحيل من نشر للمعلومات والقصص والأحاديث المكذوبة، وبثها في الصالونات والمقاهي وصفحات التواصل الاجتماعي، هدفهم الوحيد وقف إرادة الإصلاح وتقويض خطط التنمية.
التدارك من أجل التغيير
إن اللحظة هي بالفعل لحظة إصلاح وتغيير فعلي يؤتي أكله في الميدان، فلقد تم وضع الخطاب السياسي والإطار المفاهيمي لهذا الإصلاح، مختوما بجدية وصدق إرادة وتعليمات فخامة رئيس الجمهورية، والتي أكد عليها أكثر من مرة في خطاباته بمختلف ولايات الوطن، إنه بالفعل آن الأوان لعلاج أمراض الفساد وسوء التسيير، والتي لا يمكن أن يتغلب عليها دون القضاء على منابعها من وساطة ومحسوبية وزبونية ورشوة.
وفي خضم جهود الحكومة في مختلف قطاعاتها الهادفة للصرامة في تحقيق أقصى فائدة ونتيجة من عملها، والصرامة في حماية المال العام ووقف سوء التسيير، تبرز أهمية اعتماد الشفافية والحكامة والتي تطورت أساليبها مؤخرا بالاعتماد على الرقمنة والتقنيات الحديثة، وإخضاع البروتوكولات الإدارية والمعاملات الميزانوية لقوانين عملية ومبسطة، مطبقة على الأنظمة الرقمية هدفها توفير أكبر قدر من الحكامة المالية والإدارية، وتحديد المسؤولية المهنية للموظفين في مختلف القطاعات، علها تسهم في تحقق الهدف المنشود.