اعذرهم ياصاحب السعادة ….بقلم سيديا ولد محمد ولد أزوين
حين أكتب عن الأشخاص فتأكدوا أنني لا أريد منهم جزاء ولا شكورا، لا أتزلف و لا أريد صناعة مجد، فالله الغني و قد أغناني عن ما في أيدي الناس وعن غيره ، فلله الحمد مرة أخرى على فضائله ..
ما دعاني لهذه الحروف -و لست محترف كتابة-، هو ما قرأته من أساليب التنمر التي جوبهَ بها أحد الذين أدركنا من سبقونا لهذه الحياة يثنون عليه و شهدنا فعاله فاستحق علينا أن ندافع عنه ولو بشطر كلمة.
فالي ولد بلال ، كما يحلو لأهل مقاطعته من كل الألوان و الأطياف مناداته هو أحد قادة الفكر و الدبلوماسية و السياسة الهادئة و الحوار البناء بغير تعجرف و لا عنجهية ، إنه من فريق الكبار، ولد بريد الليل و بدر الدين و جوب مرتضى، ولد همدي، و محمد الأمين ولد أحمد و بلال ولد ورزك و غيرهم.. ممن حملوا همً الوطن صغارا فمنهم من قضى نحبه و منهم من ينتظر ، أطال الله أعمار الأحياء و رحم من غادرنا منهم تاركا بصمته لتدلنا على الطريق .
محمد فال ولد بلال التلميذ المهذب في سبعينيات القرن الماضي المدافع عن حقوق الطلاب وهو الذي لم يبلغ الحلم ليواجه دولة الحزب الحاكم و القائد الفذ وسياط الدرك و الشرطة و ميلشيات النظام التي كانت تتبع كل رافض للظلم و الخنوع و مطالب التغيير و الاستقلال الحقيقي ..
محمد فال الذي عرفته سجون لكوارب ( روصو) ضيفا عليها كل إضراب طلابي و في كل مطلب تعليمي و في كل قضايا الشعب المرهق الخارج من براثين البداوة لفضاء الدولة الجديدة... منع مرات عديدة من استكمال دراسته و عاود في كل مرة ليتحدى الظروف سواء في بلده أو في السينغال حيث كان يكمل دراسته.
ولد بلال سليل أسرة العلم و المعرفة والصلاح (آل بلّال) في منطقة لبراكنة و مقطع لحجار خاصة و ما عرف لها من مكانة سامقة فوالده العلامة الفهامة و مربي الأجيال الطيب ولد بلال طيب الله ثراه و كفاه فخرا أن يقول أنا ابن هذا الرجل . ..... لكنه رسم لنفسه مكانة و خرج من عباءة التقليد ليختط لنفسه منهجا مستقلا غير معتمد على ما تمثله عائلته و محيطه من مكانة كان البعض ليمتص رحيقها لآخر رشفة ..
إبن مقاطعة مقطع لحجار المدينة الثائرة و الكادحة في وجه الطغيان.. مدينة الثورة و الرفض الدائم لكل أساليب الارتهان و التبعية، بيئة ثائرة و شعب مطحون و رب غفور رحيم ..
في هذا الجو تربى هذا الشاب فعرف دور الشباب و عرف حق الوطن و المواطن فطفق يخصف علينا من لبوس نضاله و رفاقه ليواجهوا فورة الفساد و التبعية و الاستعمار بثورة الطلاب و مطالبها المستحقة بالمشاركة الفاعلة في صنع قرار هذا الوطن من دون تدخل الأجنبي و لا عمالة عملائه.
تقدم الزمن رويدا رويدا ليكون الشاب رجلا حاذقا يحمل من اندفاع و ثورة الشباب و تجارب الناضجين ما يؤهله ليلعب دورا بارزا كدبلوماسي موريتاني، قاد الخارجية الموريتانية في واحدة من أحلك الظروف التي قد مرت بها موريتانيا أنذاك .. قد يقول قائل: و هل كان الرجل سوى مهندس للعلاقات مع الكيان الصهيوني يومها؟.. فأرد بأن رجال الدبلوماسية لا يمثلون أنفسهم بل يمثلون سياسة بلدانهم و ليس عيبا أن تضع يدك في يد العدو يوما لتسلم منه و من دسائسه أعواما تمكنك من فضح نوايا الخبث و أهداف أو يرعوي دعاة الفتن ، فالحرب خدعة دبلوماسية قبل أن تكون معركة عسكرية، و مع ذلك يصرّ الرجل أن العلاقات حقيقة لم تكن من صنعه و الحقيقة الأكيدة أن الملف سبقه ومثّل سياسة الدولة حينها فلم يكون أمامه سوى أن يدعم خيار بلده كأي دبلوماسي متعلق بالوطن و سياساته ..
هكذا كان الرجل في الدبلوماسية سواء في الوزار ة أو بعد ذلك السفارة لوطنه في واحدة من أهم البلدان في القارة لدورها و علاقتها التاريخية و الثقافية و السياسية مع موريتانيا و تلك مهمة ليست بالسهلة كما يتصور البعض فعلاقات موريتانيا الأهم في القارة إحداهما في جنوبها الغربي و ثانيا في شمالها الغربي و كلاهما هامة نظرا للعلاقات و الملفات المتزايدة قديما و حديثا ، و دور السفير فيهما دور مضاعف وهو الدور الذي لعبه الرجل بكل مهارة و قدرة و اقتدار ..
مرة أخرى يعود الرجل للوطن مثقلا بهمومه الوطنية و مآسي بلده فلا تجد السلطة سواه ليقود مهمة أخرى لا تقل عن مهام الدبلوماسية الخارجية فهي مهمة دبلوماسية داخلية تراعي عناصر و قواعد الاشتباك بين خنادق متعددة و متربصة فكان نجاح الرجل في إدارة اللجنة الوطنية للانتخابات بجدارة..
كل هذا النضال و كل هذه المهام التي قادها و كل هذا التواضع الجم و الإقبال على دعم الوطن دون النظر للأشخاص و بمزيد من الحرص على الاستقلال في الرأي و الموقف الكريم ظل الرجل ضيفا على أهم شوارعنا الشعبية التي تعبر عن الاندماج مع كافة الطبقات وهو شارع لا يعبّر عنه اليوم سوى هذه "الثورة التقنية" التي عبدت لنا شوارع فيسبوك و تويتر و الواتس آب و قلة من المسؤولين تجوبها، لأنها لا تخشى دركا و لا غرقا فهي ناصعة التاريخ فلا شائبة قد تعكر صفاء صفحاتها و لا تحمل حقدا لأي كان لذلك لم يرهبها أن تكون ظاهرة تكتب و تعبر عن رأيها بكل اريحية و بساطة..
و مع ذلك لم يسلم الرجل من مرضى القلوب و عوام هذا الفضاء ليرموه بقذارتهم و تنمرهم وهو في غفلته مشغول بفكره و آرائه و محادثة العقلاء ...
لو كان محمد فال في بلد يقدر مفهوم الخدمة و مفهوم الموظف الأمين الذي قدم ما عليه بكل جوارحه ، لكان الرجل اليوم مرتاحا يجني ثمرة سنوات خدمته وهو من لا يمتلك الأرصدة و لا المنازل و لا العمارات كل ما يمتلكه الرجل هو ثقل مكانة مرموقة تركها السلف و حافظ عليها الرجل فدفع ثمنها من قوته و قوت عياله ..
دعوا الرجل في عوالم محرابه مشغولا في مساعدة وطنه و شعبه وسط زوبعة تحرك بحور العالم مهددة بالارهاب و التشرذم و الدعوات البغيضة