النفحة القيومية بتقرير الآجرومية للشيخ سيديا الكبير (إصدار جديد)/ محمدُّ سالم ابن جدُّ
قال الله تعالى: ﴿وَالذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ﴾ سورة الطور، الآية 21.
حين أحال الدكتور (بل الدكاترة) إبراهيم ابن الشيخ سيديا - حفظه الله- هذا الكتاب للمراجعة والتدقيق - دون سابق اطلاع- عايشته أياما طيبة اجتمعتْ خلالها – على غير العادة- متعة المطالعة مع القراءة لأداء الواجب التي كثيرا ما تطغى على ما سواها فَتُحَوِّل المرءَ إلى آلة جامدة.
وإذا كان الحديث عن الشيخ سيديا (رحمه الله) وآله الكرام (حفظهم الله) ضربا من تحصيل الحاصل (وهذا غير مطلوب) على نحو قول المتنبي:
وإذا استطال الشيء قام بنفسه ** فصفات ضوء الشمس تذهب باطلا.
فإن الكتاب الذي بين أيدينا أيضا يُعرب عن نفسه وعن مكانته ومكانة الشارح والمحقق.
لقد نقل الشيخ سيديا – بالنفحة القيومية- متن الآجرومية من سطور لتعليم المبتدئين إلى كتاب ينافس كبريات كتب النحو ويزاحمها، ولعله لم يقصد هذا، لكن علاقة الفعل بفاعله غير قابلة للانفصام.
شرح الشيخ ما ذكره ابن آجروم واستشهد له، وأكمل بذكر ما لم يذكره واستشهد له، وتتبع شُعَبَ الأبواب وساق أقوال قطبي هذا المجال (البصريين والكوفيين) باقتدار ينم عن تبحر ورسوخ قدم في النحو. كل هذا دون الجفاف والخشونة المعهودين في المعارف الفنية. وقد كفاني د. إبراهيم التفصيل في ذلكم.
ثم جاء المحقق (حفظه الله) فجمع النسخ وقارنها وصنفها ورتبها ونبه على اختلافاتها بدقة وأمانة تعوزان كثيرا من المعاصرين، وخرّج ما ورد في عمل جدّه الشارح من آيات وأحاديث وأشعار؛ باذلا جهدا مقدرا في مهمته العظيمة، على نحو ما بينه في محله من هذا الكتاب. وما كان للجهد أن يفيد لولا مستواه المعرفي وموهبته الفذة بارك الله فيه وعليه.
ليس هذا فقط.. بل أفرد القسم الأول للحديث عن شخصية الشيخ سيديا رحمه الله ومكانته العظيمتين وعصره وبعض مواقفه.. فجمع للقارئ بين الحسنيين: النحو والتاريخ، وزاد الأدب نافلة من عنده.
وإن نظرة عابرة إلى قائمة المراجع التي قاربت مائتين تكفي لتقدير المهمة التي اضطلع بها الدكتور ابراهيم حفظه الله ووفقه. ولا بدع، فتذليل الصعاب بأنواعها والسعي فيما ينفع الناس ويمكث في الأرض مهيع مشهور ونهج متوارث في آل الشيخ سيديا حرسهم الله وجزاهم خير الجزاء؛ فما أحراهم بقول الشاعر:
المشكلات إذا عزّت فأنفسنا ** على المدارك تحريرا حريصات
إنا بني الكتب لا تخفي سرائرها ** عنا التلائد منها والطريفات.
أو بتعبير ابن الحسين:
العارفين بها كما عرفتهم ** والراكبين جدودهم أماتها
فكأنما نُتجت قياما تحتهم ** وكأنهم ولدوا على صهواتها.
رحم الله مؤلف الأصل وشارحه، وحفظ محققهما ووفقه، وعمره معافى في طاعته. وما هذه بأولى بركاتكم آل الشيخ سيديا الكرام.