ترى ما نحن فاعلون خلال رئاستنا الثالثة لمنظمة القارة الافريقية؟/أحمد سالم ولد أحمد
إستلمت موريتانيا هذا الأسبوع رئاسة الاتحاد الافريقي للمرة الثالثة في ظروف لعبت فيها الصدفة دورا كبيرا .
سبق للبلاد أن تولت قيادة المنظمة القارية لأول مرة في اوائل سبعينيات القرن الماضي وكانت تسمى آن ذاك منظمة الوحدة الافريقية، وكانت البلاد عضوا مؤسسا لها قبل زهاء عقد من الزمن قبل ذلك .
تسلم المرحوم أب الأمة الموريتانية الأستاذ المختار ولد داداه رئاسة المنظمة القارية في ظرف سياسي حرج بالنسبة للقارة الافريقية، حيث مازال الاستعمار الأوربي يعيث آن ذاك -وبأبشع مظاهره - فسادا في القارة، يستعبد شعوبها وينهب خيراتها، كما كانت الانظمة العنصرية تذيق شعوب جنوب القارة علقم الميز العنصري .
كانت البرتغال تسلط جبروتها على شعوب انغولا، المزمبيق، ساوتومي، ابرنيسبي، جزر الرأس الأخضر و غينيا بساو، وكانت حرب ضروس تدور بين ثوار هذه البلدان والغزاة البرتغاليين.
اما فرنسا فكانت لا تزال تبسط نفوذها على اقليمي عفر وعيسى ( ادجيبوتي حاليا ) وكذلك جزر القمر اما انظمة الميز العنصري الأبيض فكانت تطلق العنان لبطشها بشعوب جنوب افريقيا وروديسيا وزمبابوي .
فكان المختار ولد داداه رحمه الله هو الوحيد الذي سجل له التاريخ من بين قادة المنظمة الافريقية سجلا نضاليا خالدا في مقارعة الاستعمار وانظمة الميز العنصري، فقاد حملة دبلوماسية شملت كل مراكز القوة في العالم، قادته جولاته المتعددة الى كل الدول دائمة العضوية في مجلس الامن وغيرها من مراكز القرار في العالم وكان هو اول زعيم افريقي يخاطب الكونغرس الامريكي حول قضايا تصفية الاستعمار خلال رئاسته للوحدة الافريقية وقدم كل انواع الدعم الدبلوماسي لحركات التحرير المعنية سواء تعلق الامر بقادة المؤتمر الوطني الافريقي في جنوب افريقيا او الزانو في روديسيا وزمبابوي ونامبيا او الحركة الشعبية لتحرير انغولا (MPLA) او حركة الرنامو في الموزمبيق ،او الحزب الافريقي لتحرير غينيا بيساو وجزر الرأس الاخضر وقدم كل انواع الدعم لزعماء هذه الحركات من امثال جوشوانكومو وروبيرت موكابي و سامورا ميشل والويس كابرال كما خاض معارك دبلوماسية حامية الوطيس في وجه قادة النظام العنصري في جنوب افريقيا من امثال ايانسمس وبيكبوتا وغيرهما .
بكلمة واحدة سجل التاريخ ان رئاسة المختار ولد داداه لمنظمة الوحدة الافريقية قدمت لقضايا القارة ما لم تقدمه اية رئاسة اخرى .
اما رئاستنا الثانية فقد كانت في اواخر العشرية الثانية من القرن الحالي في ايام الرئيس محمد ولد عبد العزيز ،
وتسجل لها نقطة ايجابية وحيدة تذكر لذلك الرئيس فتشكر، حيث كانت المرة الأولى التي تعقد فيها قمة للمنظمة القارية في بلادنا، ويمكن كذلك ان نسجل لهذه الرئاسة أنها مكنت جمهورنا من التفرج على ذلك اللباس الغريب الذي كان يرتديه احد القادة المشاركين، ومن المؤكد ايضا ان هذا الرئيس انبهر هو الاخر بزينا الوطني الغريب عليه اي "الدراعة "و "الملحف ".
اليوم تأتي الرئاسة الثالثة ولنا أن نتساءل أي طريق ستسلكه هذه الرئاسة هل ستقتفي اثر الرئيس المختار ولد داداه والملفات المعقدة المطروحة حاليا على القارة كثيرة و تتقاطع في بعض جوانبها من حيث حجم التحديات مع تلك التي عالجها المرحوم المختار آن ذاك، ويمكن لرئاستنا إن ارادت ذلك أن تثبت جدارتها بواسطة العمل الجاد من اجل تسويتها .
من هذه المشكلات المطروحة حاليا على الطاولة :
-الحرب السودانية, خاصة ان احد اطرافها يشترط لعودته الى منبر جدة ابعاد الوساطة الافريقية، وهذا الطرف نفسه يحمل الاتحاد الافريقي وموريتانيا (بشكل غير مباشر )جانبا من المسؤولية عن اندلاع الازمة، وهذه فرصة لاثبات براءتنا نحن والاتحاد الافريقي.
- الصراع بين جمهورية الكونغو الديمقراطية وروندا
- التصدع في احدى اهم المنظمات الاقليمية التي تعد من ابرز اذرع الاتحاد الافريقي، اعني المجموعة الاقتصادية لدول غرب افريقيا .
- تسارع عودة حركة الانقلابات العسكرية في غرب القارة وعدم نجاعة الاليات والتدابير التي تمت بواسطتها مواجهة هذه الظاهرة، خاصة الحصار على الحكومات الانقلابية.
- قطع بعض الدول الافريقية للعلاقات الدبلوماسية بينها .
- تسيير عضوية الاتحاد في مجموعة العشرين التي قبل فيها اخيرا .
- متابعة اعادة هيكلة مجلس الامن لمنح القارة مقعدًا دائما في المجلس .
- التعاطي مع مجموعة بركس، هذا المولود الجديد على الساحة الدولية الذي من شأنه أن يغير، و في المستقبل المنظور، الكثير من المعطيات في الاقتصاد العالمي والعلاقات الدولية.
ولماذا لا تسمو رئاستنا للاتحاد الافريقي بطموحاتها وتحاول استعادة دور موريتانيا كمحام عن القضية الفلسطينية في القارة الافريقية كما كانت ايام المختار ولد داداه، ونسعى لجلب دعم دول القارة لقضية اهل غزة ونقف في وجه تغلغل العدو الصهيوني في القارة الافريقية .
إن توفرت لدينا الارادة السياسية لطباعة رئاستنا للمنظمة الافريقية بميسم مشرف، فليس من المستبعد أن نحقق بعض المكاسب ،فلا تنقصنا الخبرة الدبلوماسية إن قررت قيادتنا الاستعانة بها، فلدينا مخزون لا يستهان به من الدبلوماسيين القدامى والحاليين من ذوي الخبرة الكبيرة في ملفات القارة الافريقية، فمنهم من عمل مبعوثا للامم المتحدة في بعض مناطق القارة ومنهم من مثل ويمثل المنظمات الاممية في بعض دول القارة ومنهم من كان سفيرا للاتحاد الافريقي في دول عديدة، ومنهم من يقود مؤسسات مالية متخصصة في القارة ،و منهم من يقود ادارات ومصالح في مفوضية الاتحاد نفسه، ومنهم من يعمل حاليا كمبعوث للاتحاد في بعض مناطق القارة ،ومنهم العشرات الذين عملوا ويعملون ضمن بعثات السلام التابعة للامم المتحدة في بعض دول القارة .
فمن شأن الاستعانة بخبرة هؤلاء بشكل رسمي أو غير رسمي أن يشكل قيمة مضافة لنجاحنا في هذه الدورة الرئاسية .
اما اذا لم يكن عندنا مثل هذا الطموح ،فهذا اختيار له ما يبرره هو الاخر وفي هذه الحالة نحجم دورنا في دور علاقات عامة من خلال تمثيل الاتحاد في المناسبات ونعد الأيام والليالي حتى تنتهي مدتنا .
و مهما يكن من امر فلن تكون حصيلتنا في نهاية الدورة اقل شأنا من حصيلة سلفنا جزر القمر ولا اقل تشريفا من رئاستنا الثانية للاتحاد.