زينب النحوي نموذج للمرأة الشنقيطية/ الدكتور محمد امدن
ولدت السيدة زينب النحوي مع نهاية الحرب العالمية الثانية في منطقة الركيز من أسرتين علميتين تتمتعان بصيت كبير داخل و خارج موريتانيا
فأبوها الشيخ محمد النحوي عالم و قطب تربية و أحد أعلام موريتانيا و دول المنطقة . أما أمها فاطمة فتى فبيتها من أجل بيوتات القضاء و أشهرها في موريتانيا ، كما أن السيدة زينب هي الأخت الكبرى لإخوة نذكر منهم تحاشيا للإطالة الشيخين الجليلين المعروفين محمد الحافظ و الخليل .
ورغم أن المجتمع الموريتاني مجتمع يهتم بالعلم فحصة النساء كانت أقل بكثير من حصة الرجال نتيجة لإكراهات متتعدة لكن السيدة زينب ممن سعين جاهدات لكسر القاعدة ، وقد ظهرت عليها بوادر النبوغ في وقت مبكر لتنطلق رحلتها مع القرآن الكريم فيحدثنا عن تلك الفترة أحد أقاربها الذي ولد معها في نفس العام تقريبا و هو الشيخ أحمد الطلبة (وزير سابق وشخصية سياسية علمية) -رحمه الله- فيقول كنا نكتب الثمن و الثمنين يوميا لكن زينب أسبقنا في الحفظ
درست السيدة زينب بعض كتب السيرة و الفقه و النحو على والدها لتعتمد لاحقا على مجهوداتها الذاتية في تحصيل العلم من خلال مطالعة الكتب المتوفرة في بيت والدها و حضور مجالس العلم التي كان يقيمها عمها العلامة المحدث محمد (الراجل ) النحوي و القاضيان محمد عالي فتى و سيدي محمد آب بدي وماتجده من تسجيلات و كتب للشيخ إبراهيم انيأس وقد قرضت الشعر بشقيه فصيحا و شعبيا في وقت مبكر فيذكر أخوها الشيخ الخليل النحوي في أشهر مؤلفاته (بلاد شنقيط المنارة و الرباط ) أنه يدين لها بتجربته الشعرية مؤكدا ذلك في أكثر من حديث تلفزيوني ،بل إنها كانت أكثر من ذلك المربية المباشرة و المؤطرة لإخوتها في البيت و هم في عمر الطفولة فعلمتهم مبادئ الفقه و السيرة و النحو و العروض كما شجعتهم على الولوج في النظام التعليمي الحديث بل ذهبت هي شخصيا إلى أبعد من ذلك في أن تسعي أن تكون أول مدرسة في منطقتها التي تعيش فيها لكنها عدلت عن الفكرة بعد أن قطعت أشواطا هامة في المسار التطبيقي وكان العدول عن الفكرة نتيجة لاعتراض والدتها بعد أن علمت بالأمر في وقت متأخر نسبيا ،لكن نساء من محيطها الإجتماعي قررن في وقت لاحق تنفيذ فكرتها ليصبح انشغال النساء بالتدريس أمرا مستساغا ولتنشغل السيدة زينب مجددا بتدريس صديقاتها و بعض جيرانها أمور دينهم . وممن اشاد بفتوتها في وقت مبكر شيخ التربية المعروف الشيخاني محمد الطلبة ،كما كان العلامة سيدي محمد آب بدي يستخلفها في أحد اقسام مدارس أبي بكر بن عامر في قرية بارينا ،و كان والدها الشيخ محمد الذي يخاطبها بثمرة فؤادي حين يلاحظ نقصا في التجويد على من حوله يقول له راجع زينب ، وقد درستني شخصيا صحبة غيري كتاب قرة الأبصار و نظم عبيد ربه في النحو كما درستني التجويد وكانت تراجعني فيما أكتبه شعرا ونثرا ، وإن كان أخوها الشيخ الخليل هو الداعم الأول لي في دراسة الطب فقد مثلت هي الدافع الأول ،ومع ما لها من همة قعساء فقدت كانت مدرسة في التواضع ونكران الذات فتري لكل أحد الفضل عليها و تحاول أن تربينا على أن نري الفضل للآخرين وتشجعنا على اللحاق بهم ضاربة بذلك أمثلة متبعة ومنهجا تربويا حصيفا .
عرفت الوالدة أنها برة بوالديها و تقول عنها أمها أن برورها يذكر بطاعة الملائكة (لا يعصون الله ما أمرهم و يفعلون ما يؤمرون ) أما والدها فيقول كل من برني فهو في ميزانك وقد تعلم البرور من برورك ومع كونها مدرسة في نظام الحياء السائد في تلك الفترة و الذي يحظر على المرأة إظهار التقدير و الاحترام للزوج فقد جمعت هي بين النقيضين فهي من شدة حيائها و شهرتها به كان بعض الناس حين يلاحظ على غيره ما يخدش بالمروءة ويتناقض مع الحياء يخاطبه قائلا (سلمت عليك زينب النحوي) لتذكيره بمنهجها في الحياء . و حدث ولا حرج عن شدة محبتها للنبي محمد صلى الله عليه وسلم و إنغماسها الشديد في النهج الصوفي حتى وصلت إلى درجة التقديم و هي درجة من النادر جدا أن يصل إليها النساء . كما تعلمت من أنسابها ما تصل به أرحامها و كانت تصدق الحديث حتى وهي تمزح وتحمل الكل و تقري الضيف و تعين على ونوائب الحق توفيت رحمها الله في الثاني و العشرين من شهر يناير عام ألفين و إثنين و عشرين بنواكشوط لتدفن في مقبرة قرية الرباط التابعة لبلدية برينا .وفي العزاء بعث إلينا رئيس الجمهورية محمد الشيخ الغزواني وفدا رفيع المستوى من أجل نقل تعازيه فيها وقد خاطبني مستشار الرئيس قائلا: أأكد لك أن الرئيس في الصورة عن المكانة العلمية للوالدة.وحتى لا أغمط الكل حقه فسوف أنقل إليكم بعض أقوال مشاهير البلد فيها
فها هو الكاتب و القاص ،الشاعر الصحفي العميد المختار السالم احمد سالم يقول عند وفاتها : فقد المجتمع الموريتاني واحدة من سيدات التقوى و العلم هي زينب (امامة بنت الشيخ محمد النحوي)
ويقول النائب الحالي والمرشح السابق للرئاسيات برام الداه : في زينب النحوي تعزي موريتانيا والسينغال
أما الاديب الصحفي محمد عبد الرحمن المجتبى رئيس تحرير صحيفة الصدى و مراسل قناة أبو ظبي فقد كتب القصيدة التالية:
1- أرى الدمع من كل العيون تدفقا وخيم حزن في البلاد وخندقا
2- لفقد التي في الله كانت حياتها وها هي تمضي والمراد تحققا
3- تحلت بآلاء المكارم والنهى وللعزة القعساء كان لها ارتقاء
4- فحازت من المجد المؤثل ما به تسامت الى العلياء علما ومنطقا
5- وهامت بذات الله جل جلاله ومن حب خير الخلق هامت تعلقا
6- وكان لها في الشيخ سر ومشهد به "السابق النبراس" يوما تحققا
7- فذاقت من أسرار العبادة صفوها وعبت من السر المصون تعشقا
8- لك الخلد يا أم الأكارم زينب بأعلى جنان الشهد نزلا ومرتقى
9- وبارك في تلك البيوت ومن بها وباركها الرحمن غربا ومشرقا
10- وصلى إله الكون جل مسلما على من به ليل الوجود قد أشرقا
أما الشاعر الكبير متنبي القطر الناجي محمد الإمام فكتب العبارة التالية : رحلت أم المساكين سليلة الشيخ محمد النحوي و الشيخ الرباني الدافق بالاحسان و الثجاج بالإيمان تاج العلماء العاملين صاحب حضرة العالمين المربين
أما العلامة و الشاعر المفلق الاستاذ الجامعي محمد الحافظ السالك الطلبة فقد كتب في قصيدة يقول فيها
فأمكم إن غابت اليوم شمسها
فإشعاعها في الناس لا يتبدد
فلله ما أبهى و احسن خلقها
و أقوم ذاك الدين و الناس تشهد
وإن شئت فسأل من من الناس شئته
سل الجار ذا القربى و من هو أبعد
و كانت لربات البيوت نموذجا
بما ينبغي للقانتات ويعهد
حياء كذا هو الحيا فتوة
بها لمجرات العباقرة تصعد
وفي بيتها قرت فمخدع بيتها
لها مكتب فيه و مغنى و مسجد
بوالدها الشيخ الكريم تعلقت
فنالت يداها منه ما لم تنل يد
لقد زاحمت فيه رجالا مجدة
فلا هزل منها حيث كانت ولا دد
أما الفتى المحدث والشاعر المبدع عبد الرحمن النحوي فيقول:
أأمِّي ومولاتِي وسيِّدتِي التِي
بهَا جلَّ رزئِي والفَجِيعَة جلَّتِ
أعالجُ برحَ الصَّبرِ من يومِ رزئهَا
"وإن عظمتْ أيامٌ اخرَى وجلَّتِ"
تولَّتْ إلَى الرَّحمنِ مقبلةً وكمْ
إلَى وجهِه السَّامِي تولَّتْ وولَّتِ
فدلَّتْ وما ضلَّتْ وأسدتْ ومَا ونَتْ
وقامتْ ومَا نامتْ وصَامتْ وصلَّتِ
فمَا أظلمتْ تيهَاءُ إلَّا تبلَّجَـتْ
وما أمحلتْ جدبَاءُ إلَّا استهلَّتِ
وزلَّـتْ لمجلاهَا الشمُوسُ وغيِّمتْ
وذلَّت لمعنَاها الطرُوس وكلَّتِ
تجلَّت على وجهِ الزَّمانِ سحابةً
فأمرعَت الأقطارُ لمََا تجلَّـــتِ
فقامتْ مقامَ الشَّيخ وارثةً لهُ
علَى نهجِه نهجِ الكِرامِ الأجِلَّة
أطلتْ بهَا الأيَّامُ أبهجَ طلَّــــة
وألبسَهَـا المعروفُ أحسَـن حلَّة
تقلِّب في الأذهَان أطلالَ ميَّةٍ
وآياتِ أحكامٍ وأحرفَ علَّـــةِ
ولم تُـرَ بينَ النَّاس أشبَاهُها وإنْ
تكنْ رئيتْ جَـلَّتْ وقلَّتْ ودلَّتِ
وألسنَة النَّاعينَ من كلِّ ملَّـةٍ
علَى صدْق ما أنحُـوهُ أقوى الأدلَّة
أقامتْ علَى عهدِ المعَالِي وعقدِها
فلَا عهدَها ملَّتْ ولا العقْدَ حلَّـتِ
ولَمَّا سمتْ هامَ الثَّمانِينَ واستَوتْ
وألقتْ عصَاهَا في العلَى واستقَلَّت
تولَّت إلى ما قدَّمتْ وترَجَّـلتْ
قريرَة عينٍ بالذِي قدْ تولَّـتِ
وحلتْ مكاناً لمْ يكنْ حلَّ قبلَها
فيا حبذا بين الربَى حيثُ حلَّتِ
ويا حبذَا تلكَ الرِّحابُ وحبَّـذا
ضريحاً بهِ باتَتْ وأضحَتْ وظلَّتِ
ويا حبَّذا الرَّمس الذِي قدْ أظَلَّها
ويَا حبَّذا التُّرب التِي قدْ أقلَّت
هنيئاً لهَا لقْيا الحَبِيب وإنَّها
بهِ عن سواهُ استيقنَت وتسلَّتِ
صلاةٌ عليهِ في غيوبِ شؤونِـه
شؤوناً بهَا عينُ العيونِ اضمحلتِ
اما الشاعر الموهوب عبد الرزاق راكب الأسد يقول فيها
يابنت سيد هذا القطر صالحه
يا أخت يأم الأعلام الميامين
إن قيل زينب قد أضحت مودعا
فكم لزينب من ساح و تثمين
ففي ارتجالك للأشعار سابقة
في بيتكم حين يجري أي تمرين
علم و شعر و آداب و مكرمة
ذوق و معرفة تحلو لتدوين
وكنت في الجود و الإتقان فائقة
وفي النباهة في عز و تمكين
في الحلم مضرب أمثال الورى أبدا
من مثل زينب في حلم و في لين
أما رائد السهل الممتنع في هذا القطر شاعرنا الكبير لمرابط دياه فيقول فيها
:
رحم الله درة الأصداف
زينبَ الطهر والتقى والعفاف
ولسانا بالذكر يلهج دوما
في تناء عن الخنى وتجاف
ينبئ السمت والخلال لديها
وجميع النعوت والأوصاف
أنها تستقي وتنبع من بحر
المعالي بحر الزلال الصافي
من إمام جَلى أمام المصلِي
وأب راع للذمام ، وواف
شابهت في تلك الحلى طرفيها
وأضيفت من العلى لمضاف
فاستقامت على الشريعة حقا
وتحلت بالعدل والإنصاف
واقتفت سيرة الألى نجلوها
فهي تمشي على خطى الأسلاف
من وقار يهدي وسمت وصمت
ووفاق يسد باب الخلاف
وسجود لربها وركوع
في تجاف ، وصومة وطواف
لقبوها أم المساكين لما
علموا أنها ملاذ الضعاف
***
رحلت زينب الحبيبة عنا
فإذا الربع بعد زينب عاف
غير أنا نرجو من الله لطفا
إن رب العباد ذو ألطاف
ولنا في بني الفقيدة سلوى
وذويها ذؤابة الأشراف
فمعاني الأسلاف فيهم نراها
حيث معنى الأسلاف في الأخلاف
وعلى مرقد الفقيدة سحت
رحمات بالوابل الوكاف
وصلاة تتلى على خير فهر
وبني هاشم بن عبد مناف