المنطقة الحرة.. المارد الذي خرج من القمقم/ بادو ولد محمد فال امصبوع
المنطقة الحرة.. المارد الذي خرج من القمقم
من كان يصدق أن يخرج المارد من قمقمه في لحظة فارقة من الزمن ليحول مدينة نواذيو من خمود الكسل إلى خلية نحل لا تكل ولا تمل، لا يتوقف فيها مشروع إلا أطلق آخر ولا تكاد تنجلي ظلمة ليلة إلا على تدشين أو اتفاق يفضي إلى تدشين.
الحقيقة والواقع
لعل الحديث هنا يحيلنا إلى الماضي القريب جدا حين كانت مدينة نواذيبو أقرب هي لمدينة أشباح منها إلى عاصمة اقتصادية، فلا شوارع معبدة اللهم أنقاض شارع واحد بمعدل حفرة لكل مترين تكالب عليه القدم وانعدام الصيانة، وظلمة يعينها الضباب لتحجب حتى نور القمر في ليلة تمامه، أما عن العمران فزائر المدينة يخالها قرية بعثت من ماض سحيق لا بنايات لائقة فيها ناهيك عن أحياء الصفيح التي تحفها من كل الاتجاهات والأوساخ التي تتصدر المشهد في منظر مقزز لا يليق بمكب عصري أحرى عاصمة اقتصادية ومدينة سياحية.
من يقرأ الآن ممن لا يعرفون ماضي المدينة يخيل إليه أنني أوغلت في المبالغة، لكن العارفين بها يعلمون علم اليقين أنني أوجزت الوصف وتغاضيت عن كثير من الحقائق اختصارا للمشهد.
التحدي
هنا تطلب العمل لصناعة عاصمة اقتصادية من شبه العدم استحداث فكرة جديدة مدروسة بعناية فائقة تجمع بين العمل والرقابة وجلب المستثمرين، فكانت محصلة الآراء وخلاصة الأفكار إنشاء منطقة حرة بمدينة نواذيبو بصلاحيات تمكنها من إنجاز المطلوب.
لم تكن البداية سهلة، فالمطبات كثيرة والحواجز منيعة والوقت ضيق والهدف صعب المنال، لكن الهمة كانت أقوى من الصعوبة والهدف أنبل من أن تبطئه المطبات أو تعيقه الحواجز.
تم وضع إستراتيجية من ثلاثة محاور، أولاها على المدى القصير تتمحور حول شق الطرق وتعبيدها وإزالة الأحياء العشوائية مع احترام توفير مناطق بديلة لساكنتها والعمل على تنظيف المدينة من الأوساخ مع مراعاة إبعادها إلى مكبات تتم معالجتها فيها.
وفعلا تحقق المراد، فشقت الطرق المعبدة أحياء المدينة، وتم تخطيط وتجهيز حي من أكبر الأحياء فيها ( الترحيل) بالإنارة والماء الشروب ليصبح ملاذا آمنا لساكنة أحياء الصفيح العشوائية مع مراعاة مساعدة الساكنة لتشييد بيوت تحمي ساكنتها ويليق شكلها بالمظهر الحضاري للعاصمة الاقتصادية والمدينة السياحية.
وتم التعامل مع شركات متخصصة لتنظيف المدينة ومعالجة المكبات.
ثاني المحاور وهي الإستراتيجية ذات المدى المتوسط والتي ركزت على إعمار المدينة من خلال تقديم التسهيلات لتشييد الفنادق والمنتجعات السياحية والعمران ذا الطراز الحديث، فبيعت القطع الأرضية بأسعار تشجيعية ومنحت رخص البناء وتم رفع الضرائب عن معدات البناء، كل هذا مع اشتراط نسق معماري حضاري في القطع ذات الطابع السياحي، وهو ما بدا جليا على شواطئ المدينة التي تحولت إلى قبلة سياحية للموريتانيين والأجانب على حد السواء.
أما المحور الثالث وهو الإستراتيجية طويلة المدى فقد تركز على جلب المستثمرين للمنطقة الحرة بعد أن تحقق الكثير من أهداف الإستراتيجيتين طويلة ومتوسطة المدى.
عمدت المنطقة الحرة إلى تقديم تسهيلات وفرص استثمارية متميزة، استطاعت من خلالها لحد الساعة جلب مئات المستثمرين الوطنيين والأجانب مما خلق حيوية داخل المدينة وصنع فرص عمل تقدر بالآلاف.
ومازال العمل على قدم وساق حيث ترتفع نسبة التحديات مع كل نجاح تحققه المنطقة الحرة.
إنه المشهد باختصار والواقع على الأرض بعيدا عن مزايدات الحاقدين وإشاعات المغرضين.
بادو ولد محمد فال امصبوع