وداعا لبيظ/ محمد لمين محمودي
"بيللا تشاو تشاو"
"ادفنيني، أعلى الجبال
تحت ظل وردة جميلة
وإن مرّ، مرّ قومٌ
سيقولون: ما أجمل تلك الوردة
إنها وردة المقاوم
تلك وردة المقاوم
الذي استشهد،فلم يمت.
وداعًا أيتها الجميلة، وداعًا، وداعًا"
لقاءات عابرة تلك التي جمعتني بلبيظ(الاسم الحركي لأحمد تتا) بعد حل حركة ضمير ومقاومة التي كان أحد اهم منظريها وقادتها،فقد عاد كل واحد منا الى حياته بعد أن سخر مايناهز عقدين من عمره لمحاربة النظام واللانظام والحيف وظلم الأنا للجمعي المتأصل والمتجذر..خلال فترة النضال السري كان "لبيظ" قطعة محورية في عمل التنظيم،فقد كان خريج الاتحاد السوفياتي ذكيا وعارفا بأساليب الأجهزة القمعية وناقلا أمينا لتجارب الحركات السرية وخبيرا بآليات التنظيمات المارقة،ولذا كان الصندوق الأسود الذي تكتب فيه الأسماء الحقيقية للرفاق دون أن تبث أو تعلن..أحمد يساري على طريقة ذويه،تلك الطريقة التي لاتستورد دون تنقية ولهذا ينعته البعض باليميني،ففي جذوة تلك الفورة لم يكن سهلا تقبل اليساري المحافظ على تعاليم دينه المطبق لها،المؤمن بأن قيم البشر ليست مطلقة ..هنا اختلف الكثير من الرفاق عن الكثير من الرفاق،فاعتمد الجميع المشترك وغيبوا الخلاف حتى ازفت ساعة الفراق النهائي اذ غادرنا الخنادق ودخل كل واحد منا معتركه الخاص وفهمه للنهاية..فلم تسمح الحياة وتفاصيلها المنهكة بلقاء ولو لتذكر الماضي..التقيت لبيظ مرتين تقريبا او ثلاثة بعد آخر لقاء لنا في عمارة بدكار ذات ليال من التخفي والفرار من آلة القمع التي عذبت رفيقنا سالم حتى أشرف على الهلاك..مرة التقيته ومعي الصغير احمد فعرفته عليه وسألني الغلام: هل هو صديقك،قلت هذا كان يعلم عني مايمكنني أن أسجن بسببه ولم يخبر به أحدا وانا أيضا..ضحك لبيظ بطريقته البوتليميتية وربت على خد الولد الذي لم يفهم أن التحرير والتخدير كانا توأمين ومازالا، وودعت أستاذي وقائدي الرفيق على أمل لقاء تمنحه الصدفة،لكنها لم تفعل،ببساطة لأنها لاتمنح،فالله هو المانح وقد قدر في أزله أن يذهب لبيظ في رحلة علاج ليست بالطويلة ليعود وكأنه قرر الموت على الأرض التي عاش من أجلها والتي طالما أكد بأنه يريد الموت من أجلها..يوم واحد او اثنان هنا، ثم أسلم الروح وغادر عالم السياسة الفاشنستيه والنضال الافتراضي والمبادئ المفلترة،والخلطة الكاذبة الخاطئة التي صارت تعرف بنخبة موريتانيا..لن يعرفك أحد من الذين سهرت الليالي من أجلهم،لن يذكرك أي منهم بخير،ولن يكلف نفسه عناء الدعاء لك، لن يشكرك الجيل الذي ينعم الآن ببعض من الحرية بسببك وبقية الرفاق،لن يكلموا عنك أبناءهم لأنك لم تضع نضالك في الفلتر الفاتح ولم تعرض تضحياتك في شريط وردي على سرير مؤثرة أو مؤثر.
الرياء في النضال والحياة كلها صار موضة العصر وأنت عملة قديمة لو حملها الفتية الى السوق لما اشتروا حلوى أو دمية،فهؤلاء لم يعيشوا عصر دقيانوس..عد الى الكهف وسنعود جميعنا الى هناك،لكنني شخصيا سأحتفظ لك في تلافيف ذاكرتي بحكمتك عند الاختلاف وبحرصك على نصرة المظلومين والدفاع عن المهمشين والتضحية من أجلهم وبحقيقة أنك عشت لهذا،وعليه وبه رحلت الى رب غفور رحيم..رحمك الله وغفر لك وأدخلك الجنة وإنا لله وإنا إليه راجعون.