رأس السنة.. التهنئة والاحتفال/ أحمد أبو المعالي

عند اقتراب نهاية كل سنة ميلادية وترقب أخرى يكثر الجدل بخصوص تهنئة المسيحيين بهذا الحدث وبشأن حكم الاحتفال برأس السنة ومشاركة العالم صخبه المارد تلك الليلة الرعناء
وفي هذا السياق تتنزل هذ الملاحظة العامة .
في سياق هذا الحديث وما يصحبه من نقاش عبر فترات طويلة  يستحضر البعض  بقوة وصرامة  آيات النهي  عن "المودة" والحب" لأعداء الله تعالى  مبتورة من سياقاتها ومنتزعة من دلالاتها فيرى أن أي إشارة أو كلمة أو سلوك يعبر عن "المحبة" أو "المودة" لغير المسلم عداوة لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم ومجافاة لنصوص الشرع ويرعد ويزبد في أن ذلك ربما يخرق العقيدة ويعتبر موالاة " نهانا الشرع عنها
ولكن بالتدقيق يتبين خطأ هذا التصور وتجاوزه للحقيقة الشرعية ف"المودة" و"المحبة" التي حذرت منها الآيات الكريمة المعروفة هي محبة تأخذ  في الاعتبار" البعد الديني" فقط ..ولا شك أن الولاء لأي دين يعتبر انحيازا له وبالتالي انزياح  عن غيره لذلك جاءت آية النهي عن "البر والقسط"  صريحة في ذلك " قاتلوكم في الدين" فربطت الأمر بالدين فالقتال الذي يجعلهم في غير ود مع المسلمين هو "قتال في الدين" أما شؤون الدنيا فمختلفة
ولا يمكن أن يبيح الشرع "أن تبروهم" وتقسطوا إليهم" ثم يحرم الابتسامة في وجوههم والكلمة الطيبة أو التهنئة بأي مناسبة لأن ذلك يصادم دلالة "البر" ويناقض "القسط" 
وعلى البعض أن يفهم أن التهنئة برأس السنة لا تحيل لأي معتقد ديني وإن كانت في الأصل ذا طابع مرتبط بولادة المسيح عليه السلام ولا تدل على التسليم بتصورهم في التثليث بل هي مرتبطة بالبعد الزماتي
ثم إنه بحكم المعايشة والمعاشرة في السكن أو الوظيفة  لا يمكن أن يقدم المسيحي  التهنئة للمسلم في مناسبته ويظهر له الود والألفة ثم يجازيه المسلم بالجفاء والغلظة إن تعلق الأمر به.. لكن هذا لايعني أن يبحث كل مسلم بداية السنة عن "مسيحي" ليهنئه أو يبارك له" ..لذلك فقياس   غير المحتك بهم  بالمحتك قياس في غير محله 
ومن هنا فإن تهنئتهم برأس السنة لمن يعيش معهم  سكنا أو وظيفة أمر طبيعي وهي من "المودة" والقسط" المطلوب والغريب أن يستشهد بعضهم بفتاوى لعلماء عاشوا في البوادي أو أماكن لا يوجد فيها اتصال مباشر معهم فهؤلاء  ليست  القضية مطروحة لهم فليس لهم أي احتكاك بغير المسلمين وينطلقون من ورع لا يلزم غيرهم شرعا
أما من اقتضت الظروف أن يعايش "أهل الكتاب" بالحسنى لمقتضيات مختلفة فإلزامه بلا لا يلزم  أمر لا يستقيم شرعا

والطامة الكبرى أن من يطلقون حرمة "المودة" والمحبة" لغير المسلم سيجدون مشقة كبيرة في فهم الزواج من "كتابية" إذ كيف يتزوجها وهو مأمور شرعا بعدم حبها أو عدم مودتها ؟
وكيف يتسنى له مودتها دون مودة ذويها ومعاملتهم بالحسنى؟
ومن الطرافة هنا أن نشير إلى ما يذكره بعض منتسبي الفقه من أن المتزوج بالكتابية لا ينبغي له قراءة القنوت لأنه لو قرأ " ونخلع من يكفر بك" يكون مطلقا لزوجه .. وحقيقة هذه الفتوى أقرب للنكتة إذ أن القرءان الكريم حافل بالآيات التي تؤكد هذا المعنى في سياقه
وسيجدون حرجا كبيرا في دلالة  قوله تعالى " إنك لا تهدي من أحببت" وفي أسباب النزول عند المفسرين  أنها نزلت في أبي طالب ومع أن أهل السنة يرون أنه مات على "جاهليته" لكن ذلك لم يناف "حب" النبي صلى الله عليه وسلم له بسبب القرابة والإحسان المعروف كما هو صريح الآية الكريمة
فالمدار في نهاية المطاف في كل ذلك على "الدين" أما إن ظلت العلاقة  ذا بعد "دنيوي" بحت فلا يوجد نص شرعي يمنعها أو ينهى عنها إلا إذا ارتبط بالسياق ما ينافي ذلك.
وقد رخص كثير من العلماء في الصلاة في  الكنيسة التي خصصت أصلا لعبادة النصارى مما يعين أن المدار في الأساس على "المعتقد"
بقي أن أشير إلى أن الاحتفال برأس السنة لم يعد ذا بعد ديني حتى عند المسيحيين بل أغلب المحتفلين لا يؤمنون  بالتعاليم المسيحية ولا تعني لهم "حدثا دينيا" بقدر ما هو زمن للفرح المارد والاحتفال الدنيوي فالمشاركة فيها "دينيا" ليست مطروحة حتى عند المسيحيين أنفسهم فكيف بغيرهم بل أضحت احتفالات كونية يشارك فيها أتباع جميع الديانات وغيرهم 
لذلك لاغرابة  أن يخرج  المسلم من الاحتفالات ثم يتوجه إلى المسجد ويغادرها  المسيحي الذي لم يدخل كنيسة أو يعلق صليبا أبدا ..ومع ذلك لا وجه للمشاركة فيها لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد
لكن يظل إنكارها في سياقه الطبيعي والشرعي بعد ان انسلخت من لبوسها الديني وهذا ما يفترض أن ينبه المتحدثون في الموضوع
والله أعلم