حول ملف العشرية: ولد أجاي ظالم في السياسة "مظلوم" في التسيير!/الهيبة الشيخ سيداتي
أول أمس، أفرج قطب التحقيق المختص في الجرائم الاقتصادية عن قراره بخصوص المتهمين في ملف العشرية، وهي مناسبة لتدوين ملاحظات عامة حول هذه الملف، وجدت العنوان أعلاه معبرا – بدقة – عما توصلت إليه من نتيجة، وإليكم هذه الخلاصات، وليحكم كل واحد منكم في نهاية القراءة – بموضوعية – بما توصل له:
1. قرار الإحالة إلى المحكمة أمر مهم، بل حق لكل من اتهم أن تتاح له محاكمة عادلة علنية يدافع فيها عن نفسه بحرية وشفافية، ويواجه النيابة العامة على قدم المساواة، وعلى أرضية واحد، كطرفين يتحاكمان إلى جهة محايدة ومستقلة، بل محمية الاستقلالية.
2. لا يخلو أي ملف قضائي من مدان أو بريء. هذا بدهي. معروف – ومشهور جدا - أن القاضي لا يحكم بعلمه، وإنما وفقا للأدلة والحجج المعروضة أمامه. ويقتضي المنطق السليم، والانسجام المبدئي أن يكون الموقف من قرارات وأحكام القضاء واحد، وأن لا تكون فيه أي انتقائية. لذا من غير المناسب – حتى لا أستخدم واصفا آخر - أن نحتفي بها إذا وافقت أهواءنا أو مصالحنا، ونستقبلها بالتشكيك والتشنيع حين تذهب مذهبا يخالف رغباتنا أو توقعاتنا. هذا – في أكثر توصيفاته موضوعية – غير عادل ولا منصف!.
3. مشكلة "ملف العشرية" أنه ليس وليدة هذه المرحلة، بل ليس وليدة إجراءات قضائية بحتة، فقد بدأ مع حصر اللجنة البرلمانية لمواضيع التحقيق، حيث حددتها في عشر ملفات، وأخرجت ما سواها، وهو بالمناسبة كثير جدا، ثم جاءت النيابة العامة، فأعملت سلطة الملاءمة، وأخرجت على أساسها العديد ممن استجوبتهم الشرطة، في حين اتهمت آخرين بعضهم أقل منهم مسؤولية أو مساو لهم في دواعي الاتهام.
4. حصيلة كل ما سبق جعل عمل قطب التحقيق فيما يتعلق بالوزير السابق المختار ولد اجاي محصورا في ملفين فقط، وذلك بعد إخراج ملف شركة "آرايس" من دائرة الاتهام بناء على اتفاق الدولة مع الشركة.
وبشكل موضوعي، فقد عومل في هذين الملفين بكل بانتقائية، وبنفس استهدافي لا يخفى على أي متابع أو مهتم، وإليكم الأمثلة، فبالمثال يتضح المقال:
- الملف الأول: يتعلق ببيع عقارات الدولة، والواقع أنه بيع خلال عشرية ولد عبد العزيز 11 عقارا، اثنان فقط من هذه العقارات أشرف عليها ولد اجاي، بصفته وزير المالية. وحتى في هذين الملفين – للمفارقة - لم يتم التعرض لأي من أعضاء اللجان التي باشرت البيع في المزاد العلني، كما لم يتم التعرض لأي من الوزراء المعنيين ببيع بقية العقارات!
- الملف الثاني: يتعلق بتوقيعه مع الوزير المنتدب المكلف بالميزانية، ووزيرة الإسكان والعمران والاستصلاح الترابي على ملحق لتسوية ديون الشركة الوطنية للصناعة والمناجم "اسنيم" على شركة النجاح (التي تولت أشغال مطار نواكشوط الجديد) بموجب هذا الملف تتولى شركة النجاح بناء مسجد كبير، وساحة الحرية، وعمارة في المطار القديم لصالح وزارة الإسكان، على أن تتولى الدولة تسديد المبلغ لشركة اسنيم على دفعات حسب تقدم الأشغال.
هذا الملحق تم اعتمادا على ضمان لشركة اسنيم، ووقع هذا الضمان الأصلي، والملزم، وزيرا الشؤون الاقتصادية الأسبق سيدي ولد التاه، والمالية الأسبق اتيام جمبار. في الواقع فإن ولد اجاي كان الوحيد الذي تمت مساءلته حول هذه القضية من بين خمسة وزراء (الشؤون الاقتصادية – المالية – الإسكان - الميزانية) مع أن دوره فيها كان لاحقا، وغير مباشر. أرأيتم!
5. قد لا نجد من يجادل في تجاوزات ولد اجاي السياسية، وهي كثيرة. نتذكر جميعا وصفه لقادة المعارضة بـ"امبيبيلات"، وقوله لمواطنين في الداخل إن استقبال ولد عبد العزيز أهم من توفير الخدمات، ودفاعه أمام البرلمان عن المأمورية الثالثة، وعنفه اللفظي تجاه مناوئيه، وحتى استغلاله للمعطيات في مناكفاته البرلمانية. وبالتالي يصعب من الناحية السياسية فصله عن ولد عبد العزيز، شأنه في ذلك شأن جل قادة الأغلبية في تلك الفترة، فقد كان – بالقطع - في طليعتهم رغم أن أغلبهم نافسوه بشراسة على الحظوة بقلب ولد عبد العزيز، والقرب منه، وهي الحظوة التي كادت تورده المهالك.
وقد لا نستطيع إحصاء خصومه في مجالات عديدة، ومع رجال أقويات، وتحديدا في مجال المال والأعمال، ومنذ فترة توليه لإدارة الضرائب. وقد يفسر هذا جانبا من الحملات القوية التي تعرض ويتعرض لها.
ورغم كل ذلك، فمن الواضح أن ما وجد في هذا الملف لم يتضمن ما يدينه، هذا إذا اعتمدنا الوقائع المعروضة أمام القضاء، وهي الوحيد التي يمكن للقضاء اعتمادها. ومهما بدا ظالما في السياسة فقد كان - في حدود ما اطلعت عليه - مظلوما في هذا الملف، وربما في غيره.
6. قضاء التحقيق ليس قضاء حكم، بل هو قضاء جمع أدلة؛ إثباتا أو نفيا. هذا يعني أن من صميم عمله أن يجمع أدلة النفي كما يجمع أدلة الإثبات، وبالتالي لا يتوقع منه أن يتمسك بجميع التهم أو المتهمين. فهل كان ولد اجاي أكثر استعدادا وتصميما واحترافا في عرض حججه وإثباتها، وأكثر إيمانا بفرص الإنصاف المتاحة له؟ ربما!
ثم إن القضاة الذين أصدروا القرار قضاة فنيون لا يعرف عنهم أي انتماء أو نشاط خارج الحقل القضائي، ولا حضور اجتماعي أو سياسي. وهم يتخذون قراراتهم بالتصويت. ومن وثق في تقرير اللجنة البرلمانية، وهي بطبيعتها لجنة بخلفية سياسية لأنها مشكلة من أقطاب سياسية داخل البرلمان ومن نواب منتمين سياسيا أو ممارسين للسياسة، معظمهم بعيدون من التخصص القانوني والقضائي، وبعضهم معلوم الخصومة مع المعنيين بملفات التحقيق، لا يمكنه - أخلاقيا - رفض قرارات هيئة قضائية مستقلة (نظريا على الأقل) لا تعرف عن أعضائها ولاءات أو خصومات ذات صلة بموضوع التحقيق والمعنيين به.
7. ليس عيبا، بل هي محمدة وخطوة نحو فصل السلطات، أن لا تتقيد السلطة القضائية بعمل لجنة التحقيق. فالتقيد به يعني تبعية القضاء للسلطة التشريعية، والأصل أنهما منفصلتان، تماما كانفصالهما معا عن ثالثتهما الأكثر تسلطا؛ السلطة التنفيذية.
8. لحين صدور قرارات قطب التحقيق في هذا الملف، ظلت السلطة التنفيذية، ممثلة في قلم النيابة الأسير، متشبثة باتهام الوزير السابق ولد اجاي، فقد طلبت إحالته أمام المحكمة (إلعاد هذا اصَّ ماه تمثيل).
9. ذاك من الناحية الفنية. أما من الناحية السياسية، فقد ذكرتني النقطة السابقة بطرفة؛ ففي إطار تسوية ملف الرهائن الفرنسيين في لبنان خلال عقد الثمانينات اشترطت إيران وحلفاؤها إطلاق سراح جورج إبراهيم عبد الله الذي كان معتقلا بفرنسا لصلته بعمليات نفذها حزب الله، وهو ما حصل فعلا. ولأنه كان في عهدة قاضي التحقيق كان لازما أن يأمر القاضي بالإفراج عنه.
وقد علق أحد الصحفيين – ساخرا - أن قاضي التحقيق استدعاه وبدلا من استجوابه حول الأفعال التي ارتكبها سأله:
- هل تفضل السفر على درجة الأعمال أم الدرجة الاقتصادية؟
- وهل ترغب في إذن بالتدخين على متن الطائرة؟
ثم سلمه تذكرة سفر على درجة الأعمال مع إذن بالتدخين.
فهل سأل قاضي التحقيق ولد اجاي عن:
- أي المناصب يفضل؟
- وعن الجهة التي يراها مناسبة لاتخاذ قرار تبرئته؟