عن" التشاور"/ محمد المنى
لعل أمرَين راهنين هما آخرُِ ما يهتم به الشارع الموريتاني هذه الأيام؛ أولهما النقاش الذي جرى مؤخراً داخل «الاتحاد من أجل الجمهورية» حول «الوضع الإعلامي للحزب»، وثانيهما التشاور بين الموالاة والمعارضة برعايةِ «شخصيةٍ محايدة» هي نائب رئيس «الاتحاد من أجل الجمهورية» والوزير الأمين العام للرئاسة!
الشارع الموريتاني مطحونٌ بأزمات الغلاء والبطالة والفقر ورداءة الخدمات العمومية وانعدامها في أغلب الأحيان، وليس لديه ترف الاهتمام بمناقشات حول موضوعات من هذا النوع تحديداً، لاسميا وأن قطاعات عريضة أصبحت تشتكي علناً من استشراء الفساد وتنظر إليه باعتباره السببَ الأول والمباشر لمعاناتها المزمنة، كما أصبحت تنظر إلى «حزب الدولة» وبورجوازيته (البيروقراطية والتجارية) بوصفهما المصنَع الأكبر لهذا الفساد، وربما اعتبرتْ «الاتحادَ من أجل الجمهورية» نفسَه أسوأ النسخ المتعاقبة لدينا من «حزب الدولة».
أما في موضوع التشاور بين الموالاة والمعارضة، فالجميع تقريباً يدركون أن التهرب من استخدام مصطلح حوار" إلى استخدام مصطلح "تشاور" هو بحد ذاته هروب مما يترتب على الحوار من مواقف جدية والتزامات متبادلة وتوافقات معلنة، وهذا يكفي لبيان افتقار العملية من أساسها إلى الوضوح والشفافية اللازمين لأي عمل سياسي جاد وصادق، وكونها على الأرجح مجردَ وسيلة أخرى للتعمية والإلهاء والمشاغلة.
ثم إن الموالاة عندنا أصلا لا تملك زمامَ أمرها ولا تستطيع طرحَ رأي أو التعبير عن موقف، أحرى أن تخوض حواراً أو حتى تشاوراً ينطوي على الحد الأدنى من الأخذ والرد، وذلك ببساطة لأنها صنيعة للسلطة وتابعة لها وليس العكس (كحال الأغلبيات الحاكمة في النظم الديمقراطية)! لذا ينبغي التساؤل: ما الذي لدى معارضةٍ أنهكتها سنواتٌ طوالٌ من العمل في ظل «ديمقراطية مستبدة» يدفع فيها المرءُ مِن قُوته مقابلَ أي موقفٍ حر يتخذه؟ وماذا تريد السلطة من المعارضة وقد أعطتها التزاماً من جانبها بتوفير أجواء هادئة لتنفيذ جميع التعهدات التي أعلنت عنها خلال الحملة الانتخابية وبعدها؟ وهل هي حقاً بحاجة إلى تشاور أو حوار للوفاء بوعودها وتعهداتها والتزاماتها؟ وهل بقي لها عذر في التأخر عن تنفيذ وعودها، في ظل أجواء السكينة والهدوء القائمة؟
من هنا يبدو واضحا أنه ليس لدى الشارع الموريتاني، الغارق في أزمات حياته اليومية جراء فشل عمومي تزداد آفاقه انسداداً، ترفُ العبث وتمضية الوقت في لقاءات واجتماعات واستعراضات لا قيمة لها في نظره ولا فائدةَ ترجى من ورائها!