موريتانيا بين انديانا و سويسرا/ محمد المنى
في تسعينيات القرن العشرين، كان لدينا ولع رسمي لافت للانتباه بمقارنة أوضاعنا بنظيرتها في دول الجوار والتأكيد الدائم على أننا أحسن من هذه الدول، فهي وحدها التي نجرؤ على مضاهاتها، استصغاراً واستهانة بها.
وفي الآونة الأخيرة، وبعد أن اتضح أن دول الجوار تجاوزتنا جميعاً، وفي كل المجالات تقريباً، أصبحنا نتحاشى هذه المقارنة وبات أكثر مَن يستحضرها منا هم منتقدو الأوضاع والسياسات العمومية القائمة.
لكن ذلك لم يمنع، بين وقت وآخر، من صدور تصريحات شديدة المبالغة في ادعاء التطور والتقدم والتفوق على الآخرين، ولعل أحدثها الادعاء بأن طرقنا أحسن من بعض الطرق في كبك (بكندا) وانديانا (في الولايات المتحدة).
وقبل ذلك أتذكر مقطعاً من خطاب رئاسي في بداية الألفية الثانية جاء فيه حرفياً أن «بلادنا استطاعت اللحاق بالدول المتقدمة عن طريق التكنولوجيا المتطورة والصناعات الثقيلة».
أما تصريحات المسؤولين من مستوى ما دون الرئيس فنتذكر منها في السنوات الأخيرة تصريحاً شهيراً قال صاحبه مخاطباً المواطن الموريتاني: «إن الجواز الموريتاني يحميك أينما كنت»، والتصريح الشهير الآخر حول «المطعِم من جوع والمؤمِّن من خوف»، وقريباً منه تصريح مشهور آخر قارن نواكشوط بسويسرا لجهة الرقي والنظافة معاً.
وعلى ذكر سويسرا فكثيراً ما كان الرئيس المؤسس المختار ولد داداه يتحدث عنها وعن ضرورة جعل موريتانيا «سويسرا افريقيا»، أي من باب الأمل والطموح والرغبة والحث على اجتراح مثال موريتاني في النهوض والتقدم والرقي.
وقد قرأت في الآونة الأخيرة مقالا قيماً للأستاذ عبد الله ولد بابكر، المدير المؤسس للمعهد الموريتاني للبحث العلمي، بعنوان «سويسرا فيما بينك وبين وطنك»، يتحدث فيه عن علاقته بسويسرا التي عمل فيها موظفاً أممياً وكان قد سمع اسمها لأول مرة في تصريحات للرئيس المختار إبان الانتقال نحو نواكشوط وجهود الإعداد لإعلان الاستقلال.
وبين الأمل والادعاء، الحلم والبروبوغندا، تضيع عقود من عمر الدولة الموريتاتية ، وتفقد فرصاً وتهدر إمكانات، وتزيد المسافة بينها وبين كل من انديانا وكبك وسويسرا معاً!