هل بدأت المعركة المؤجلة ضد الفساد؟!/ الحسن مولاي اعلِ

 

لا أحد من نخبنا الواعية المراقبة للشأن العام للدولة، يشكك أو يجادل في أن الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني كان وهو يتقدم لانتخابات الرئاسة(2019) على وعي كامل بأن من ينجح في شغل الوظيفة الأسمى في الدولة، سيتولى ركام إكراهات عدة وهيكل دولة نخرها من كل أقطارها، فساد كان الرئيس نفسه شاهد إثبات على أهم مفاصله وفصوله الماحقة؛

لا جرم، إذن، أن احتلت وعود الإصلاح وعهوده مواقع متقدمة في البرنامج الانتخابي للرئيس، وفي تعهداته وخططه العملية الميدانية، وإن كانت إكراهات جمة قد أعاقت رؤاه وبرامجه عن بلوغ غاياتها ومداها, في مقدمتها تداعيات جائحة كوفيد ١٩, وبؤر وشبكات الفساد وفيالق المفسدين الموروثة عن العشرية، وعما سبقها ومهد لها من عقود التسلط، وقد أفرغت تلك الاكراهات مجتمعة، الوعود والتعهدات، من حمولتها ومضامبنها الوطنية .

وهكذا، عندما تخلفت ثمرات الوعود والعهود، واستبطأها عموم المواطنين، عبروا، وبأصوات مسموعة أحيانا، عن انشغالهم بتخلفها، تخلف تراجعت به الآمال العريضة والأحلام الوردية التي علقت عليها، يوم لمع برقها فسال له لعاب كثير، وتجددت به آمال تبدل الأحوال، إلى ما يغسل درن المواطن المكدود، وينسيه مكابدات العشر الشداد، وما تقدمها من دواه..!!

لم تكن الأسئلة التي حامت حول عهود ووعود الرئيس، اتهامات له بنكث العهد، بل استبطاء للموعود به، وإنما طال بالناس الترقب فساء ظنهم واستعجلوا ما وعدوا به، ثم تساءلوا عن السبب، ثم لم يطل بهم الانتظار، حيث تبجح محور الكتلة الصلبة لبطانة النظم المتعاقبة، (الدولة العميقة) بالهيمنة الحصرية على كل مفاصل الدولة، والقدرة المتمكنة على منع أي تحول، والتصميم على إبقاء ما كان على ما كان، بواسطة أذرعها الأخطبوطية، وأسبقية مصالحها على المصالح الوطنية، ومراصدها التي ترقب كل بارقة إصلاح، فتقتلها وهي في طور الأجنة.

كانت ضمانات الوفاء بوعود وتعهدات الرئيس للناخبين والمواطنين، قائمة، من حيث الإرادة والإمكانات، لكن فرط الثقة وحسن الظن بجل الأعوان، مع تجاهل أنهم ألفوا مسالك السلطة، وكانوا صناع فساد أغلب نظمها، كانت كافية لإحباط كل مشاريع الإقلاع، فقد استبدلت ما بحقائب الوعود والتعهدات الخاصة بالرئيس، من برامج وخطط، بحفنة من العناوين المضلة، استنزفت مشاريع بالمليارات، وكل مجهودات  حكومتين متتاليتين، طيلة أكثر من سنتين..

على قسمات الحكومة الجديدة، وهي الثالثة في عهد الرئيس غزواني، قرأ المراقبون أسطرا حملت رسائل استعاد المتابعون وهم يتهجونها أملا كاد يضيع؛ فناظم خروج خمسة عشر من وزراء حكومة الأمس، في عملية مسح جزئي للطاولة، كان فشلهم في ترجمة تعهدات ووعود الرئيس إلى واقع معيش، ثم كان تأكيد الرئيس في أول اجتماع للفريق الجديد على محاربة الفساد «وقاية وعلاجا» طبقا للناطق السابق باسم الحكومة، وفي ذلك إقرار بفساد مقاوم يتخلل ميكانيسمات الدولة، يجب أن يشكل التصدي له بمضاء معركة الفريق الجديد.

يأتي ذلك الاعتراف الضمني، وقد انسلخ أكثر من نصف المأمورية الرئاسية، مما يعني أن على الحكومة، هذه أن تسجل نجاخا مشهودا فيما فشلت فيه الحكومتان قبلها، فشلا مزلزلا، ألا وهو "محاربة الفساد" التي يتعين الآن أن تمثل مربط الفرس فيما تبقى من المأمورية، وهو- ربما- ما جعل الرئيس يتحدث بصراحة 
ولأول مرة، عن الرقابة الاستباقية للمتدخلين في سلسلة النفقات العمومية، وهيئاتها، وعن تفعيل  القانون، ثم عن العقوبات التي تنتظر "كل مخالفة أو تقصير" والعبارة لوزير الصحة الجديد مختار داهي.

وهنا يبرز سؤال اللقاء المشهود وغير المسبوق الذي جمع رئيس الجمهورية برجال الأعمال في سابقة لافتة، حيث إن عربة الفساد على الدوام كانت وما تزال، هي الصفقات الفاسدة المجحفة بالدولة، والتي تنتهي غالبا بفشل المشروع والتسوية لصالح المقاول مع الدولة، وقد عرف وتأكد على نطاق واسع أن رأس قطار الفساد الذي يجر كل عربات الفساد هو منظومة رجال الاعمال؛ فما هو الجديد الذي سيجعلهم اليوم رسل إصلاح، ويغفر لهم ماتقدم من ذنب الفساد وما تأخر؟!