لقد صدق الرئيس / باباه سيدي عبدالله

 

يؤثَر فى أقوالنا الشعبية : (إذا كذبنا على الناس يجب أن لا نكذب على أنفسنا ).
ومع أن الكذب لا لون له ( ليست هناك كذبة بيضاء وأخرى ملوّنة)، فقد ظل حُكامنا طرائق قِدَداً فى تنزيل هذا القول ضمن خطابهم السياسي، وخدمتهم لنا و للوطن،فمنهم من استمرأ الكذب على الناس(دُولا ومنظمات ومستثمرين وشركاء) تماما كما يكذب علينا( نحن الشعب)، ومنهم من لا يكذب على الناس لكنه يكذب علينا، صفاقة واحتقارًا لنا، ومنهم من يحترم نفسه ويحترمنا ؛ وبعض الاحترام أصعب من بعض.
الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني من الصنف الأخير، وقد اختبر صعوبة احترام بعضنا حين خيّرتْه الظروف بين كشْف حقيقة التركة التي ورثها بعد عشرية هو مَن هو فعلاً و قربًا من رئيسها، وبين الإبحار بالأدوات المتوفرة على ظهر السفينة.
حسم الرئيس غزواني خياره فأبحر مدركًا- دون شك- تحديات هذا الخيار ، وأهونُها التحرك فى مخزن من الخزف تَراكمت فيه القسمة الضّيزى و سوء التسيير والنهب المنظّم.
قال الرئيس غزواني فى خطاب عرض برنامجه الانتخابي: " إن سعيي لخدمة بلدي من موقع رئاسة الجمهورية ليس بدافع البحث عن أُبّـهة السلطة ولا امتيازاتها، بل لإحساسي بالواجب اتجاه الأمة ورغبتي الصادقة في خدمتها ومعرفتي الدقيقة لمشكلات البلد وإمكاناته".
لقد كان صادقا وما يزال، وما حاد عن هذا النهج وهو يحدث إخوتنا فى مدريد؛  ويشرح لهم واقع البلد ، وقد تكوّنت لديه صورة كاملة بتفاصيل التفاصيل.
أعتقد أن الكيل قد طفح بالنسبة للرئيس الصبور فباحَ لنا بجزء من مكابدته اليومية وهو يسعى إلى إصلاح كل شيء، فتتزاحم أمام ناظريْه الأولويات: التعليم، الصحة، الأمن، مكافحة الفقر، استرجاع أموال الشعب المنهوبة، الأمن الغذائي، التشغيل…فيكتشف أن ماكينة الدعاية كانت أكذب من مسيْلمة، وأن الصورة التي كانت تصله- كجزء من النظام- كانت صورة منقوصة وربما مغلوطة، ولم يكن له من أمر تصحيحها يومئذ إلا أوسطُ وأضعف الإيمان ( النصيحة وإنكار المنكر بالقلب).
أمَا وقد اتضحت له مجاهيل المعادلة فإن بداية الحلّ هي المصارحة والكيُّ الذي مهما أوجع فإنه شفاء من أدواء الفساد والنهب التي لا تنمية معها ولا استقرار اجتماعيا ولا بقاء حتى لكينونة الدولة.

صحيح أن لموريتانيا مقومات الغِنى un pays potentiellement riche لكنه فى الواقع بلد فقير، و أسوأ ما يحل بالبلدان أن تتحوّل نِعمُها إلى نقمة.
ومن أشد النّقَم الفساد و جعل بيت مال الموريتانيين وثرواتهم دُولة بين عصابة لا ترعى إلاًّ ولا ذمة فى حقوق الناس.
قد يقول البعض إن استنتاج الرئيس جاء متأخرًا و بعد انقضاء نصف مأموريته، لكن أن تستنتج متأخرا خير من أن تظل على عينيك غشاوة إلى الأبد ، وأن تمارس سياسة النعامة، وهي- بالمناسبة- سياسة لم تعد تُجدي فى ظل الرقابة الشعبية المتنامية والواعية، وتحت أضواء وصفّارات وسائل التواصل الاجتماعي، على عِلاّتها ونِيات مشغّليها فى السر والعلن.
لقد أنهى الرئيس غزواني مرحلة التشخيص و أعتقد أن مرحلة العلاج- ولو بالكَيّ- ستبدأ دون تأخير ، لكن بأسلوب الرجل ورؤيته.
و المرحلة القادمة ، وهي مرحلة التغيير باليد، تحتاج دماءً وطنية غير ملوثة، وأعصابا هادئة غير متوترة، وقرارات جريئة ومحسوبة قد تُحدث بعض الألم لكنها ستخلق وتعزز الأمل.
كل موريتاني يمكن أن يساهم فى بناء وطننا متى تَوفّر له شرطان: أن يكون حيث يجب أن يكون عن جدارة، وأن يتم التعامل معه وفق مبدأ المكافأة والعقوبة.

 

 

باباه سيدي عبد الله