من ذكريات الضفة الحلقة الخامسة
من ذكريات الضفة : الحلقة الخامسة
في هذه الحلقة سوف نطلع من " شمامه " إلى "اذراع" لننتجع مرعى خصيبا من مراعي العلم ونتفيأ ظلال روضة غناء من رياض الصالحين إلى 44 كلمتر من طريق روصو- انواكشوط حيث تنتصب حاضرة اغنجاييت=وادي الخير المحروسة في رمالها الذهبية الناعمة وهدوئها المعهود بعيدا عن صخب المدينة وضوضائها منتبذة من محدثات الأمور وبُنَياَّتِ الطريق مكانا قَصِيًّا عَاضَّةً على السنة بالنواجذ في تحد صارخ للعولمة .
لقد كان لي الشرف بزيارتها في العطلة الصيفية من عام 1999 وقضاء بعض الوقت بجوار شيخنا العلامة محمد مختار=امحند بن محمد عبد الله=الداي بن محنض التاشدبيتي السعدي والاستفادة من هديه ومعين علمه .
كان مجيئي لأغنجاييت بعد نحو شهر من وفاة العلامة محمد عبد الله =الداي وقد أدركت الناس يتداولون القصائد التي قيلت في رثائه غضة طرية وقد كان عالما ورعا زاهدا وقد توفي رحمه الله يوم الأثنين 23 صفر 1420 هــ الموافق 7 يونيو 1999 م عن 93 سنة وقد أرخ لذلك ابنه العلامة شيخنا امحند عليه رحمة الله بقوله :
وفاة شيخنا الإمام الأنور=ضحوة الأثنين بـباكي صفر
عام شكت لفقده الطلاب=وبكت العلوم والآداب
مولده زك وعمرهأضاء=والقبر في وادي سعيد قد أضاء
رحمه الله كما ربانا=في صغر مواليا إحسانا
وقد رثاه كثير من العلماء والشعراء بقصائد من عيون الشعر نذكر منها مرثية العلامة الشيخ بن حم الشريف الصعيدي :
نعى النعاة أخا الإحسان والمنن=من حل من قنن العلياء في قنن
نعوا محمد عبد الله يا لهم=حلف التقى والنقا أويس ذا الزمن
يجري على السنن المرضي مقتفيا=ما كان في السلف المرضي من سنن
تلاوة الذكر طول الدهر ديدنه=والعلم والعمل الخالي من الدخن
قرم همام تقي عالم ورع=سليم قلب من الأضغان والإحن
قد طاب باديه إذ طابت سريرته=فطيبه يستوي في السر والعلن
من معشر طيب المولى أرومتهم=والأصل إن طاب يبدي أطيب الغصن
خصوا بجدهم اندكسعد حائز ما=قد راق من كل وصف رائق حسن
سقى محمد عبد الله غيث رضى=في السح والسكب مثل العارض الهتن
والحمد لله إذ أبقى لنا خلفا=نبأى بمجدهم في البدو والمدن
فبارك الله في المفضال ذي الخلق الــــــأسنى محنض الإمام العالم الفطن
وفي الأخ العالم المبذول نائله=محمذ فال خالي العرض من درن
وبارك الله في باقي خلائفه=وفي العشيرة أهل الفضل والمنن
صلى الإله على خير البرية ما=غنت مطوقة خطباء بالدمن
كان شيخنا امحند جادت على ضريحه شآبيب رحمة الله كوالده آية من آيات الله في العلم والورع والزهد كما كان متمسكا بهدي الرعيل الأول الذي ينهض حاله ويدل على الله مقاله يقول فيهما العلامة نافع بن حبيب بن الزائد رحمه الله :
أسنى السلام من المحب "التاري" = لقيا الحبيب محمد مختار
ولقا أبيه العالم المختار من = صفو المعادن من بني المختار
كل له خلق يذم حلاوة = عسلا مصفى في يد المشتار
فرسا رهان للعلى فكلاهما = للعلم والأضياف قار قاري
يهتز إن حل العويص كمثل ما = يهتز ذو الأوتار بالأوتار.
ولا غرو إن كانا كذلك فقد نماهم إلى المجد والعلياء جدهم اندكسعد الولي الصالح الذي طار في الآفاق صيته كل مطار وسارت الركبان بصلاحه وفضله .
يقول العلامة الأديب مؤرخ البلاد المختار بن حامدن عليه رحمة الله في أبناء اندكسعد :
المجد في أبناء يندكسعد=له لزوم وله تعد
وهو على طول المدى الممتد=مؤكد قبليه بالبعدي
وفيهم يصدق قول زهير بن أبي سلمى :
وما كان من خير أتوه فإنما=توارثه آباء آبائهم قبل
وهل ينبت الخطي إلا وشيجه=وتغرس إلا في منابتها النخل
كما يصدق فيهم قول الشاعر :
هينون لينون أيسار ذوو كرم=سواس مكرمة أبناء أيسار
فيهم ومنهم يعد المجد متلدا=ولا يعد نثا خزي ولا عار
إن يسألوا العرف يعطوه وإن جهدوا=فالجهد يكشف منهم طيب أخيار
من تلق منهم تقل لاقيت سيدهم=مثل النجوم التي يسري بها الساري
وقد سمح لي الزمان وهو ضنين بزيارة ثانية لأغنجاييت حيث أقمت يوما وليلة مع أخي الفاضل الأديب الشريف الظريف محمد سالم بن سناد بعد أن ألقى عصا تسياره باغنجاييت ولزم غرز شيخها والحال منه منشدة قول الشاعر:
فألقت عصاها واستقر بها النوى =كما طاب عيشا بالإياب المسافر
أما يومي في اغنجاييت فكان كيوم أحمد ول أحمدِّي رحمه الله حيث يقول :
يومي وحوريَّ يوم لست أنساه= حتى يلاقي ول احمدِّي مولاه
يوم تقاصر والأيام أقصرها=يوم تزور به من كنت تهواه
وأما ليلتي بها فقد أنشأت فيها القطعة التالية :
عليَّ مَنَّ إلهي واهب المنن=بليلة أذهبت ما كان من حزن
فبت في مجلس للفضل يكرمني=جلاسه بغذاء الروح والبدن
فيه مذاكرة للروح منعشة=مشفوعة بلذيذ اللحم واللبن
أكرم به مجلسا للعلم يندر أن=يرى نظير له في حاضر الزمن
ما ضم إلا أديبا ماجدا ندسا=وسالما عرضه من أيما درن
قد بات فيه امحند الشيخ ينهضنا=بحاله المرتضى وسمته الحسن
ونجتني من جناه كل فائدة=عظمى من الفقه والقرآن والسنن
أبقاه ربي زمانا طيبا رغدا=حصنا نلوذ به من مائج الفتن
وإنني في جناب الشيخ أنشد ما=في سالف الدهر قال الشاعر اليمني :
"إن يغنيا عني المستوطنا عدن=فإنني لست يوما عنهما بغني"
وقال ابن سناد في إقامته بأغنجاييت منوها بالشيخ امحند وقبيله :
شاد الإمام محمد لقبيله=صرح الكرامة والندى والسؤدد
سمي النبي وحبه ومجدد الــــــــسنن التي بقيت بغير مجدد
وأقام في أعلى اليفاع بيوته=للنازحين عن الضلال بمرصد
أدناهم وأحلهم بالربوة الــــــــعليا وآثرهم بباب المسجد
فغدوت أذكر من جميل صنيعه=إيواء قيلة للنبي محمد
سكنت إليه النفس بعد تشتت=وصغا إليه القلب بعد تردد
في عصبة من آل سعد خُوِّلُوا=كرم الفروع إلى زكاة المحتد
سنتوقف هنا كي لا نطيل عليكم على أن تكون بقية التدوينة في الحصة القادمة إن شاء الله .
طابت أوقاتكم .
صفحة: انَّ ولد حامدن ولد امح