ما الذي أعاد الوزير الأول لعصر التدوين؟/ يحيى داداه

 

قدم الوزير الأول المختار ولد اجاي عبر صفحته في الفيس بوك تغطية إعلامية لخرجة وزيري المياه والكهرباء، وهو سلوك غير معتاد من الوزراء الأول، وليس في عرف المسؤولين في موريتانيا أن يدون مسؤول عمن هو دونه رتبة، خاصة وأن تدوينتي الوزير الأول لم تزيدا على تغطية "شبه محايدة" لما قدمته وزير المياه آمال منت مولود، ووزير الطاقة محمد ولد خالد.

 ولد اجاي شخصية غير نمطية، تستعصي على القولبة، ولذلك يصاحب كل خرجاته جدل، يتبارى فيه أنصار الرجل الكثر، وخصومه غير القليلين.

شخصية الرجل، ولا نمطيته، وسلوكه الإداري الصارم، جزء أساسي من مكامن ثقة الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني فيه؛ فهذا الرئيس الداهية خبر إخلاص وزيره الأول، وعايشه عن قرب لمدة خمس سنوات، منها سنتان كانت علاقتهما لصيقة إلى درجة الاتصال اليومي المباشر.

ولا شك أن قدرة ولد اجاي على صناعة مساحة ضوء حول الملفات الحساسة، ومواجهة الرأي العام، المتحامل منه والمنصف، على أرضية الإنجاز الواضح، والاعتراف بالقصور الموجود، وعدم التخفي وراء العموميات، تشكل عوامل جذب أخرى في شخصية المختار، ونقطة قوة بالنسبة لرئيس يحب الصراحة الشديدة، ويفضل مكاشفة الرأي العام بمكامن الخلل، والواقعية في الوعود.

ليس مألوفا أن تبدأ الحكومة في بلادنا بكشف مكامن الخلل، وعرض الإنجاز، ومواجهة الرأي العام في اللحظات التي يكون فيها التحفز للنقد، والهجوم الإعلامي؛ فموسم الحر فترة لذهبية لرواج الأخبار الكاذبة، والصادقة، عن العطش وانقطاع الكهرباء، وليس في مقدور كل حكومة أن تبادر إلى مواجهة الرأي العام في لحظة هيجان، لو لم تكن واثقة مما تقول، ولو لم يكن لديها ما تقوله مما يمكن أن يهدئ الرأي العام.

لم يقدم الوزيران في مجلس الوزراء الماضي بيانات عن قطاعيهما، وهو ما يعني أن حضورهما في المؤتمر الصحفي حضور غير تقليدي، هو حضور استباقي لمواجهة أسئلة الرأي العام بشأن قطاعين يكثر الحديث عنهما في هذا الفصل.

ومع ذلك فقد قدما حصيلة استثنائية، واتضح أن تدابير كثيرة قد اتخذت، تجمع بين المبادرة إلى إطفاء الحرائق، ووضع أساسات الحلول الجذرية، وهي معادلة صعبة، يصر عليها الرئيس غزواني منذ توليه السلطة قبل ستة أعوام.

لم يتهرب الوزيران من الأسئلة الملحة للرأي العام، ولا من أسئلة الصحافة الحضور، وقد أبانا عن استيعاب عميق لملفيهما، وأضفت واقعية طرحهما المصداقية على ما يقولان.

ضمنت تدوينتا الوزير الأول وما صاحبهما من تفاعل استثنائي، انتشارا إضافيا لتصريحات الوزيرين، وكشفت عن أن ما صرحا به، مزكى من طرف الحكومة، وربما تكون الخرجة والتدوينات صادرة عن قرار من الرئيس غزواني نفسه.

عصر التدوين فترة ذهبية في تاريخ الحضارة العربية الإسلامية، أسست للنهضة العلمية التي استظلت البشرية ببذورها المعرفية، ومهدت لعصر النهضة العلمية المعاصرة.