الداه صهيب... حين تُكتب الأساطير بحبر الإرادة/ لكبيد بباي

في عالمٍ تُقاس فيه القيمة بميزان المال والنفوذ، تنبت من بين صخور الواقع الصلب حكاياتٌ تشبه المعجزات. ومن هذه الحكايات تشرق سيرة الداه صهيب، لا كنائب أو دبلوماسي فحسب، بل كرمزٍ لعصامية نادرة، وشاهدٍ على أن الإرادة، لا المصادفة، هي التي تصنع المجد.
لم يكن الطريق مفروشًا أمامه إلا بالأشواك، ولا الأبواب مشرعة إلا بالصبر والتحدي. لم يأتِ من قاعات النفوذ، بل من قلب الحياة اليومية، من جهدٍ يوميٍّ عنيد وصبرٍ خفيٍّ لا يُرى إلا في عيون الحالمين. بدأ رحلته من ديوان رئاسة الجمهورية، حيث تشرّب دروس الانضباط، وتعلَّم أبجديات الإدارة، وسقاه العمل الصامت بذور الولاء والتفاني لخدمة الصالح العام.
ومع كل منعطف، كان يترقى لا بالوساطة، بل بالتميز. أصبح رقمًا صعبًا في معادلة السياسة الوطنية، وصوتًا وازنًا في قاعة البرلمان، ووجهًا مألوفًا في دوائر الدبلوماسية الدولية، رافعًا راية الوطن في منصات الحوار، ومثبّتًا أقدامه في دهاليز القرار.
رحلته الأخيرة، التي قادته من الجزائر، إلى السودان الأصيل، كانت أكثر من مجرد مهمة رسمية. كانت مسيرة رجل يؤمن أن الدبلوماسية فعلٌ ولباقة وحضور، وقدرة على تمثيل الوطن بفكرٍ متزن وقلبٍ نابض.
قاد خلال أسبوعين فقط وفدين برلمانيين رفيعي المستوى، وجعل من كل محطة عنوانًا لمدرسة في الالتزام، واللباقة، والبصمة الوطنية المشرفة. فقد كان سفيرًا غير مُعلنٍ لدبلوماسية موريتانيا الجديدة: دبلوماسية تتكلم بلغة الاحترام، وتُصغي بذكاء، وتخاطب العالم بقيم راسخة.
إنها سيرة شاب ناجح، وملحمة إنسانٍ حوَّل الطموح إلى مشروع وطني، والإرادة إلى جسرٍ يصل به إلى قلوب الناس ومراكز القرار. وبهذا، لا يخطو الداه صهيب نحو المجد، بل يصنعه في كل محطة، ويترك أثرًا لا يُمحى في دروب من مرّوا بحياة الوطن.
