العبودية والاستعباد: اقتراحات للحل/ محمد سالم الشيخ

بعد أن فشلت مقولة ثنائية سواد العين و بياضها في تقديم الكثير للأرقاء السابقين أو من يسمون ب( لحراطين ) و بعد أن فشلت محاولات تسييس القضية و أخفق حلها عن طريق تعيينات هنا أو هناك و بعد أن أدرك الجميع أن كمية الظلم و الهوان و الجور التي تعرضت لها هذه الشريحة لم تتعرض لها شريحة في التاريخ ، و بعد أن عرف المهرجون أن الدين الذي بدأ بآل ياسر و بلال و سلمان ، الدين الذي يوصي بحقوق الحيوان و ينشر المساواة و العدالة لا يمكن أن يكرس العبودية و لا يشرع لها .. صار لزاما علينا جميعا كموريتانيين أن نواجه هذه المشكلة بطريقة جدية و بصفة عادلة تقدم العدل لمن ظلم كثيرا، وكما شارك الجميع في ظلم هذه الشريحة على الجميع أن يشارك في رفع الظلم عنها وجبر خواطرها كل من جهته وانطلاقا من دوره الذي يلعبه و يقوم به في المجتمع، وحسب التفصيل التالي :
1/ دور الدولة في مكافحة العبودية و رفع الظلم عن الأرقاء السابقين:
الدولة هي المسؤول الأول و الأخير عن وجود العبودية و عن تصفية مخلفاتها نتيجة كونها المسؤول عن المجتمع و عن الإرث السياسي للنظم السياسية التي كانت تدير المجتمع و تسير أموره ، و قد قامت الدولة و منذ الاستقلال بمجهودات خجولة لتصفية هذه الظاهرة على مستوى مسطرة القوانين و كذلك على مستوى برامج لإعادة دمج الأرقاء السابقين ، و رغم أن الجهد الذي قيم به غير كاف و غير متسق مع الحاجة بل يميل عادة إلى البرامج السياسية ذات الهدف الانتخابي ، إلا أن الدولة تبقى مطالبة بتطوير القوانين و القضاء نهائيا على الظاهرة و التعامل بحزم مع كل حالة مكتشفة و تطبيق القانون على الجميع حتى تختفي الظاهرة نهائيا ..و في نفس الوقت مطالبة ببرامج تأهيلية لهذه المجموعة على مستوى الرجال الناضجين و الذين عانوا في حياتهم من العبودية و الظلم و التهميش و لم يستطيعوا الاستفادة من التعليم و لا التدرب على وظيفة فأصبحوا من الحمالة و العمال اليوميين فهؤلاء يجب أن توجه لهم قروض صغيرة و يتم تأهيلهم لوظائف جديدة ، لأن القوة البدنية التي يعتمدون عليها زائلة خصوصا مع ظروف الفقر و سوء التغذية و المرض .. كما يجب توجيه و متابعة الشباب من هذه الشريحة للتعليم و تيسير التعليم لهم و تشجيع ذويهم الذين يفضلون توجيههم للعمل على عربات بيع المياه أو السخرة نتيجة الفقر المدقع و الحاجة الماسة ، و علينا ان نعرف جميعا أن هؤلاء هم مستقبل البلد و قوته التي يعتمد عليها ، لذلك على الدولة الاهتمام الخاص بهؤلاء و تمييزهم إيجابيا في التعليم و في التدريب و التوظيف حتى تدمجهم في الدولة و اجهزتها المختلفة .
هذه الإجراءات يجب أن يصاحبها توجه حقيقي للاعتذار لهذه الشريحة عن ما عانته وتخصيص يومي وطني للمسامحة والاعتذار، تقدم فيه جوائز للنصوص الشعرية التي تنتقد الاستعباد وتعلي من شأن هذه الشريحة وتبين ما تعرضت له، وتوجيه الإعلام والتعليم لتغيير العقلية الاستعبادية للمجتمع.
2/ دور الاحزاب السياسية و منظمات المجتمع المدني في مكافحة الرق و مخلفاته :
تحاول جميع الأحزاب السياسية تقديم برامج سياسية جامعة مانعة تهتم بكل ما يعانيه الوطن من الفساد و الديكتاتورية و حتى المحافظة على المناخ، لكنها ما تزال تعالج ظاهرة العبودية و مشكل الاسترقاق بخجل و مداهنة، لذلك عليها أن تعلن صراحة عن موقفها و أن تعتبر هذه المشكلة من أكبر مشاكل البلد وحلها ربما يساعد في حل جميع المشاكل الأخرى كمشكل التعليم و الصحة و مكافحة الفقر و العدالة الاجتماعية والمساواة وكذلك توعية شريحة كبيرة من الفاعلين السياسيين و الناخبين الذين طالما استغلت الدولة جهلهم و عدم وعيهم السياسي و تبعيتهم العمياء للقبائل و للدولة و الإدارة المحلية.
3/ دور العلماء و المثقفين:
يقع الدور الأكبر في هذه المعضلة على العلماء لأن جميع من مارس الاستعباد حاول تسويغه دينيا مقدما فهما مغلوطا و مشوها للإسلام أنه دين و للعبودية و يشجع عليها ، و المغالطة الكبيرة التي وقع فيها الجميع هي عدم التفريق بين العبودية كظاهرة و الاستعباد كسلوك مشين رفضه الإسلام و حاربه و نهى عنه ، فالعلماء مطالبون بالجهر بموقفهم و الخروج من المنطقة الرمادية و الصدع بالحق أمام الجميع ، فمن غير المقبول أن بلادا أخرجت آلاف العلماء لا تجد منهم من يجاهر بموقفه من هذه الظاهرة المخجلة و يستطيع محاربة ممارسات الاستعباد التي نعرف جميعا ما تحمله من ظلم و قهر و استغلال باسم الدين ، هذا الدين الذي جاء لينشر العدل و المساواة و الحرية ، موقف العلماء و المثقفين في بلادنا موقف مخجل من هذه الظاهرة و عليهم أن يتداركوا شيئا من ماء وجوههم بإعلان مواقفهم وتشخيص هذه الحالة التي قد تتفاقم و تتحول إلى ما لا تحمد عقباه .
4/ المجتمع و تغيير العقليات :
تسيطر على مجتمعنا الطبقية و التراتبية الظالمة حيث يحتقر طبقات معينة و يضعها في أسفل السلم الطبقي لا لشيء سوى لدورهم النبيل الذي يقومون به ، و يعلي طبقات أخرى لا لشيء سوى لأدوار سيئة جدا و سلبية لعبها أجدادها أو ادعوا ذلك ، في كنف هذه التراتبية توجد عقلية الاستعباد المقيتة و التفاخر بها و التمتع بممارستها، فقد سيطرت ثقافة الاستعباد و اقترنت بصبغها صبغة دينية و محاولة تسويغها انطلاقا من ذلك .. و قد صاحبت هذه العقلية ممارسات بشعة لا يقبلها العقل و لا الفطرة السليمة و لا يقرها الدين و لا المروءة.. و مع ظهور الدولة الجديدة استطاعت هذه العقليات التسلل إلى مفاصل هذه الدولة و شعشعت في كنفها ، بل اصطبغت بصبغتها الخاصة مما شجع ممارسات الاسترقاق و حال دون ظهور حركات تشجع على تحرر هذه الشريحة و دمجها في المجتمع و الاضطلاع بدور إيجابي فيه .
لما شكل المجتمع الحاضنة الأساسية للعقليات الاستعبادية كان عليه ان يلعب الدور الأساسي في مكافحة هذه الظاهرة و القضاء على مخلفاتها و ذلك بتشجيع ثقافة الإعتذار لجميع من تضرر من الظاهرة أو تضرر منها ذووه ، و رفض عقلية الاستعباد و نبذها في المجتمع و التنبيه على أن من يمارس الاستعباد يعاني من مرض اجتماعي خطير فالفطرة السليمة و الإنسان السوي لا يمكن أن يميل إلى استعباد أخيه الإنسان و ظلمه و التنكيل به ، لذلك فنحن بحاجة ماسة إلى إعادة ترتيب لأولويات مجتمعنا و اعتبار هذه الظاهرة ظاهرة خطيرة و جعلها ضمن الأولويات التي تجب مكافحتها و صياغة آليات لذلك بتغيير الترسانة الموجودة من النصوص الشعرية والأمثلة والمقولات الشعبية الاستعبادية واستبدالها بترسانة جديدة تعلي من قيم الحرية والمساواة بين جميع الشرائح وتطلب التسامح وععلي من شأنه .
5 – الاستخلاص :
هذه جملة ملاحظات و آراء ومقترحات الهدف منها التنبيه على خطورة ظاهرة الاسترقاق ومخلفاته التي يعانيها مجتمعنا وتعاني منها شريحة كبيرة جدا منه، تهدف كذلك إلى إقامة حوار حول هذه الظاهرة والمساعدة في حلها والتخفيف من مخلفاتها والمحافظة على أواصر القربى والاخوة في الدين والوطن ، وتكثيف النسيج الاجتماعي لبلدنا وإقامة وحدة وطنية حقيقية.
