توطين الكراهية أخطر/ باب ابراهيم

لم تفد النوادي العرقية والإثنية الأوطان يوما، ولم تسعف من يظن أنه من خلالها يستطيع تقديم شيء لوطنه، سواء في ذلك الذي يعتبرها مرجعية، ويتغنى بها، أو ذاك الذي يجعلها مبررا موضوعيا للتحامل، والمساهمة في خلق حالة من الكراهية..، فللأسف الصنفان يساهمان في صنع خطاب كراهية مدمر..، يحدث شرخا داخل المجتمع يتسع مع الوقت..
إن بناء الأوطان يحتاج قبل كل شيء إلى تحرير العقول، والعمل على إرساء مفهوم المواطنة، والعدالة، أما الخطابات ذات المراجع الضيقة "مكوناتية، جهوية، قبلية.." فسلبيتها أكثر من إيجابيتها، وهناك فرق بين استحضار الممارسة كمشكل من المشاكل الكبيرة التي يعاني منها الوطن، والتي تشل قطار تنميته وتقدمه.. وبين تحويلها إلى كربلائية، مكون من شيعتها، ويحمل شعارها، وآخر من أعدائها، وعليه أن يلعن..
إن الفضاء العام يحتاج في الغالب إلى أشخاص عامين، متسلحين بالتجرد، ويتمتعون بمستوى كبير من النضج والتأطير، ومنسوب مرتفع من الأخلاق، والوطنية، وحب الجميع، وتجنب الخضوع تحت أي ظرف لسوء النفس، وحين تكرر أوامرها تلك عليهم استحضار إنسانيتهم، وقيمهم، وطنهم ووطنيتهم..، وسيخلص أي منهم حتما إلى رفض أوامر نفس السوء، وبشكل متكرر سيحصن الشخص نفسه..، ويجنب مجتمعه بناء جدار كراهية خطير عليه..
تشتغل أجهزة داخلية وخارجية للأسف منذ فترة على نشر خطاب الكراهية، والتفرقة..، وخلق حالة من عدم الثقة بين مكونات المجتمع، ووضع حواجز نفسية وعقلية بينها، وللأسف جند كثر أنفسهم في سبيل ذلك، عن قصد وعن غيره، عن وعي ودونه، عن حسن نية وعن سوء نية..
وللأسف أصبح البعد المكوناتي حاضرا بشكل كبير، حتى حين يتعلق الأمر بقضايا خارجية "الهجرة"، يتم استحضار البعد القومي، واللوني..، هذا يحسب مهاجرا ربما يكون مجرد عابر خطرا حقيقيا، يجب أخذه بكل عنف ورميه بعيدا عن أمة النقاء، والفضل..، وآخر ينظر إليه من زاوية أخرى "قرار الدولة متخذ من طرف يمين، وضد أشخاص سحنتنا وإياهم واحدة"، ويغيب عن الطرفين أن الأسرة الواحدة تختلف سحناتها، فكيف بمجتمع وأمة؟؟، "إنها لا تعمى الأبصار.."
لقد أصبح خطاب التفرقة حاضرا في كل شيء، ويستخدم لأتفه الأغراض، حيث هناك من يستخدمه بحثا عن إعجابات على وسائل التواصل الاجتماعي، ومن يستخدمه للحشد، وعلى حساب وحدة الوطن، والوئام، والسكينة به، والوحدة بين مكوناته، وعلينا كمواطنين الوقوف في وجه ذلك، برفض كل أشكال الظلم، والغبن، وفي نفس الوقت رفض كل أجندة التفرقة، ومن يختار الطريق القصير لقلوب شعب أغلبه لديه الوعي العصبي أكثر من غيره، نتيجة انتشار الأمية، وإضعاف واستبعاد الطرح الوطني..
إنه لمن المؤسف أن يصبح أخذ مكانة بالمجتمع اليوم لا يحتاج سوى فتح حسابات على مواقع التواصل..، وتبني خطاب ضيق، مرجعيته المكون، القومية، الجهة، القبيلة، ويبدأ صاحبه مسيرته انطلاقا من ذلك حتى والانتساب للقومية محل تدقيق وتمحيص..، ويبدأ بضرب دفوف الفتنة، ويستخدم أكثر العبارات وقاحة، ويبث سمومه في مجتمع متروك لكل شيء، دون أي جرعة مناعة، وهذا في الحقيقة أمر محزن، وخطير..
لقد حان الوقت لوقف هذا التسيب الخطير، من خلال العمل الوطني الجامع، المؤسس على دعائم صلبة "العدل، المساواة.."، كما حان الوقت أن تأخذ الأحزاب الوطنية، والجادة دورها، فضلا عن الدور المهم الذي يجب أن يلعبه المجتمع المدني، والنخب، والنقابات، والمؤسسات الإعلامية..، ووقف حالة التمييع الخطيرة، فهامش المناورة قد ضاق كثيرا، والوطن وحدته قد تأثرت سلبا بشكل كبير، والمحافظة عليها مسؤولية كل مواطن.