أَهَلْ لَخْلَتْ نواكشوط/ أ. ع. المصطفى

يُسمي الرائد الراحل في الجيش الفرنسي أفرير جاه نواكشوط: "جزيرة الشيطان"، وأحيانا بـ "مركز الشياطين"، وهو مؤسس مركزه الإداري والعسكري، مستهل الحقبة الفرنسية..

تتناقل الروايات عن سكان نواكشوط الأصليين عمارته من طرف أَهَلْ لَخْلَ وتوطنهم فيه من قديم، وجراءتهم على ساكنيه من الإنس، ومن ذلك تكفل عفريتَيْن منهم بكل إنسي يصبح فيه، يركبانه من الصباح إلى الرواح، يُعَلِّقُ شيخ تلميتي ظريف بالطبع، على ذلك بقوله: إنه يعرف إن عفريتَيْه "أصحاح وُشْحَاحْ"..

نواكشوط مكان استراتيجي لِأَهَلْ لَخْلَ، فهو مكان شاطئي، وهم حسب العارفين يفضلون البحار وجزائرها وسواحلها، فَقَصْرُ إبليس الأكبر على البحر..

ولِأَهَلْ لَخْلَ تعلق بالمباني المعمورة نهارا، الخالية ليلا، كغالبية المباني الإدارية والتجارية في نواكشوط، قال ذلك لي أحد نبهاء وعلماء القضاة أكثر من مرة..

يتحدث بعض العارفين بِأَهَلْ لَخْلَ عن أحياء راقية لهم في نواكشوط وبالقرب منه، ومنها حي فاخر عامر جنوب تنويش، يوفر سكانه المأوى لمرتكبي الفظائع منهم وسط نواكشوط..

لِأَهَلْ لَخْلَتْ نواكشوط سطوة وقوة، ومن شواهد ذلك قصة كانت متداولة في الوسط العَدْلي، فيها أن شابا من ذوي الهيئات ارتكب جرائم، فحَمَّل أهله مسؤولية ذلك لضربة جِنِّيٍّ، وأخذوه إلى "حَجَّاب"، طلب منهم بعد تأكيده لإعتقادهم أن يتركوه معه أياما للعلاج، وفي الليلة الثالثة تم ضبطهما متلبسين بارتكاب جريمة، فكان "الحَجَّاب" لاحقا يجيب عن حالته بأن جِنِّيّ مريضه من أهل نواكشوط، فغلب مُسَخَّريه هو من الجن الذين هم من جِنِّ الداخل..

يبدو أن مساحة التبادل والتأثر والتأثير بين سكان نواكشوط من الإنس والجن أكبر مما أوحت به مقابلة جريدة أشطاري الساخرة في عددها الأول مع عمدة نواكشوط من أهل لخْلَتِه..

فقد سمعتُ مرة رجلا عارفا بأحوال "جزيرة الشيطان" في اصطلاح أفرير جاه يتحدث بجد، يقول إن شيوع تبادل النَّدْوِيَّاتْ عند أهل نواكشوط يرجع إلى تقليد لعادة من عادات أَهَلْ لَخْلَ بحثا عن الوقاية من كيد الأصدقاء والأعداء، إذ عند أهَلْ لَخْلَ أن من ذاق منهم مِلْحَ (أي طعامَ) آخَرَ أمن شره..

هذا خُلُقٌ رفيع، وهو بالمناسبة منقول عن أهَلْ لَخْلَ في بعض كتب العلم القديمة التي تناولتهم، لكنه غير مضطرد عند الإنس، للأسف..

ولَعَلَّ من شواهد ذلك ما قرره الإمام محمد بن حزم الأندلسي رحمه الله، حيث يقول: <<داء الإنسان بالناس أعظم من دائه بالسباع الكَلِبَة والأفاعي الضارية، لأن التحفظ من كل ما ذكرنا ممكن، ولا يمكن التحفظ من الإنس أصلا>>..(كتابه الأخلاق والسير في مداواة النفوس ـ صفحة 92 ـ ط مطبعة السعادة)..

بسم الله الرحمن الرحيم..