واقع و تحديات الإقتصاد في موريتانيا
نشر البنك الدولي مؤخرا عدة تحليلات للاتجاهات والقضايا التي تشكل مستقبل موريتانيا الاقتصادي والتنموي، ومن ذلك التقرير المتعلق بإدارة الاقتصاد الكلي لعائدات الغاز في موريتانيا وثالث تقرير له عن أحدث المستجدات الاقتصادية في موريتانيا مع تركيز خاص على التعليم. ويطرح التقريران توصيات من شأنها مساعدة الحكومة الموريتانية على تسريع وتيرة النمو الاقتصادي والحد من تأثيرات أزمة فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19). وتكمّل مذكّرتنا الاقتصادية للبلاد الأخيرة هذه السلسلة من التحليلات، وتسلط الضوء على أهمية تنويع النشاط الاقتصادي والتوسع المدني المنظم الذي يتسم بحسن الإدارة للتنمية الاقتصادية في موريتانيا.
تمثل موريتانيا، وهي دولة ذات كثافة سكانية ضئيلة و مناخ صحراوي، همزة وصل بين المغرب العربي وغرب أفريقيا. وتعاني البلاد من الاعتماد المفرط على الموارد الطبيعية، حيث شكلت منتجات الصيد والتعدين 98.1 في المائة من إجمالي الصادرات في عام 2017، وكثافة سكانية منخفضة للغاية تبلغ 4.3 شخص فقط لكل كيلومتر مربع ، مقارنة بمتوسط يبلغ 44.9 في أفريقيا.
قبل أزمة كورونا، كان نموذج النمو في موريتانيا يعاني من قيود هيكلية حالت دون مضي البلاد قدما في تنفيذ جدول أعمالها التنموية. وتظهر مذكرتنا الاقتصادية للبلاد أن موريتانيا لم تستفد من مواردها الطبيعية بشكل كافٍ في الماضي، مما عرّضها لصدمات أسعار السلع الأساسية، وأسهم في نهاية المطاف في التباطؤ الاقتصادي بعد عام 2015. وفي الوقت نفسه، أدى النمو السكاني السريع في المدن في ظل غياب التكثيف المكاني للسكان والشركات إلى حرمان موريتانيا من المنافع الكبيرة وعوائد النمو من وفورات الحجم والتحول نحو وظائف أكثر إنتاجية في قطاعات الصناعات الزراعية والصناعات التحويلية والخدمات.
في حين لا توجد صيغة ثابتة لتسريع النمو، ثمة أربع مجالات على صعيد السياسات الاقتصادية من شأنها مساعدة موريتانيا على الاستفادة من المنافع المحتملة للتوسع المدني وتعزيز تنويع النشاط الاقتصادي في المستقبل.
1.تشجيع إقامة اقتصاد أكثر توجها نحو السوق
للتغلب على القيود الهيكلية التي تعوق موريتانيا عن توسيع قاعدتها الإنتاجية، لابد من وضع إستراتيجية للتنويع نحو تكثيف النشاط الزراعي والإنتاج الحيواني، وتحسين جودة صادرات الأسماك، وتصدير منتجات جديدة، وتوسيع نطاق انتشارها في السوق من خلال تقوية الروابط مع بلدان غرب أفريقيا. ولابد أن تصاحب ذلك سياسات لإزالة الحواجز القانونية التي تحول دون مشاركة المرأة في النشاط الاقتصادي، وتيسير الحصول على التمويل، وتشجيع تنظيم المشاريع وريادة الأعمال المحلية، وتعزيز المنافسة في الأسواق الرئيسية التي تهيمن عليها قلة قليلة من الشركات المتنفذة.
2.تعزيز عوامل الإنتاج
تفتقر موريتانيا إلى النتائج التعليمية الجيدة، والبنية التحتية التي يمكن التعويل عليها، فضلا عن غياب الكفاءة في استخدام الأراضي. وبالتالي، من المهم جدا تحسين رأس المال البشري من خلال تعزيز جودة أساليب التدريس وتدعيم نظام حوكمة قطاع التعليم وإدارته. وفي حين لا تستطيع موريتانيا تغيير المسافات الجغرافية الشاسعة التي تفصل بين مدنها وبلداتها، فإنها تستطيع أن تقلل الوقت الذي يستغرقه قطع هذه المسافات من خلال تحسين ربط المدن. وينبغي أن يترافق تحسين البنية التحتية المادية، لاسيما في نواكشوط، مع خطة مدروسة لقطاع النقل ترتبط بخطط النقل في المدن الأخرى. وأخيرا، فإن تدعيم إدارة الأراضي، عن طريق تبسيط إجراءات تسجيل الأراضي، والمواءمة بين المسؤوليات وعدد أقل من الجهات المؤسسية الفاعلة، وتنفيذ وتسجيل أدوات التسجيل القائمة إلكترونيا، يشكل شرطا مسبقا لتخطيط مدني رشيد، كما أن تأمين حقوق الأراضي في المناطق الريفية هو المدخل الرئيسي إلى تعزيز الإنتاجية الزراعية.
3.تحسين التخطيط المدني
من الضروري تحسين التخطيط المدني من خلال إعداد وتنفيذ الخطط الرئيسية للمدن التي تلعب دورا رئيسيا لأنها تحدد الهيكل المكاني للمدن وتحدد استخدام الأراضي وتحد من توسعها. إلا أن التحول من مدينة منخفضة الكثافة مترامية الأطراف إلى مدينة مدمجة ومترابطة يتطلب أكثر من مجرد تخطيط مدني فاعل. وهناك حاجة إلى وضع إجراءات تنظيمية مربوطة بتقديم الحوافز، بما في ذلك فرض ضرائب على الأراضي الشاغرة، وذلك لتشجيع التكثيف و تجنب المضاربة على الأراضي.
4.تحسين إدارة الموارد الطبيعية
أخيراً، تعد الإدارة الفاعلة لإيرادات الصناعات الاستخراجية أمرا بالغ الأهمية لتنويع النشاط الاقتصادي. وللقيام بذلك، ينبغي تصميم إطار مالي سليم على أساس قاعدة مالية عامة بسيطة ذات هدف محدد بوضوح ودرجة من المرونة عندما تحدث صدمات اقتصادية غير متوقعة. وسيتطلب تنفيذ إطار مالي قائم على القواعد تقوية مؤسسات المالية العامة التي تشكل عاملا أساسيا في ضمان إعادة استثمار ثروة الموارد الطبيعية في الأصول الإنتاجية.
كما معظم دول العالم، يؤثر استمرار جائحة فيروس كورونا تأثيرا اقتصاديا كبيرا في موريتانيا من شأنه تقويض الجهود السابقة للحد من الفقر. ومع ذلك، فإن عملية إعادة البناء الاقتصادي التي يجب أن تعقب الأزمة تتيح لواضعي السياسات فرصة فريدة لرسم نموذج تنمية أكثر استدامة وتوجيه الاقتصاد نحو مسار للنمو الاقتصادي المتسارع والمنصف للسكان الذين يتزايد عددهم بسرعة.
مقال مشترك لخبيري الإقتصاد: سامر متى خبير في الاقتصاد و الشؤون الإفريقية و لوران ميسيلتي خبير من البنك الدولي